مرحلة الاستقطاب والتفريخ
ومع مرور الأيام تطور المسجد حتى صار معهدا كبيرا توافد إليه الطلاب من أنحاء اليمن والعالم الإسلامي، كمصر والكويت والجزائر وأوربا، لتلقي علوم الحديث على يد الشيخ مقبل، الذي يعد بشهادة الكثيرين محدث الديار اليمنية، بل محدث العصر بعد الإمام الألباني.
وهكذا غدت دار الحديث في دماج (قرية قريبة من مدينة صعدة، على بعد 240 كيلو متر إلى الشمال من صنعاء) بمثابة النواة التي بدأ منها التيار السلفي يمتد إلى معظم أرجاء اليمن، مُخَرِّجا عددا من طلاب العلم الذين أصبحوا اليوم مشايخ يديرون العديد من المعاهد والجمعيات والمراكز السلفية، كمركز معبر الذي يديره الشيخ محمد الإمام في محافظة ذمار، ومركز مأرب الذي يديره ذو الأصول المصرية أبو الحسن المأربي المصري، ومركز في مدينة الحديدة يديره الشيخ محمد بن عبد الوهاب الوصابي، وعدد من المراكز الصغيرة في كل من صنعاء وتعز وعدن وإب وحضرموت.
وبحسب الباحث اليمني عبد الفتاح الحكيمي، فإن الجماعة السلفية (إن جاز إطلاق لفظ الجماعة عليها) تتميز عن غيرها من الجماعات الإسلامية بمنهجها الإحيائي للإسلام، من خلال فصل العبادة عن السياسة، وإقامة دولة الإسلام بتطبيق ما جاء في القرآن والسنة، أما الانتخابات والحزبية والدستورية والجمعيات فكلها كفر في كفر لا تقوم معها الدولة الإسلامية. وجملة هذه الآراء هي آراء الشيخ مقبل بن هادي الوادعي التي بثها في العديد من أشرطته وكتبه.
وللشيخ مقبل أيضا الكثير من الآراء المتشددة حول العديد من القضايا الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية، والتي تصدر عن ذهنية تحريمية لكل شيء، ابتداءً بالديمقراطية الكافرة، وانتهاءً بملاعق الأكل التي كتب فيها رسالة تحت عنوان "الصواعق في تحريم الملاعق"!!.
التشدد يولد الانشقاقات
هذه الذهنية التحريمية والآراء المتشددة الصادرة عن الشيخ، وخاصة فيما يتعلق بتحريم تشكيل الجمعيات باعتبارها شكلاً من أشكال العمل الحزبي، كانت مبررا وسببا رئيسيا للانقسام الكبير في هذا الجماعة بداية من تسعينيات القرن الماضي، من خلال خروج مجموعة من كبار طلاب الشيخ، على رأسهم الشيخ محمد بن موسى العامري، مؤلف كتاب (الشيخ مقبل الوادعي، آراؤه العلمية والدعوية، دراسة نقدية)، وهو زوج إحدى بنات الشيخ مقبل الوادعي.
هذا الانقسام أو الانشقاق عن الشيخ كان بمثابة تدشين ظهور تيار سلفي جديد برؤى جديدة، أكثر عصرية وحداثة من آراء الشيخ مقبل التقليدية المنغلقة، والتي أدت إلى مثل هذا الانشقاق الذي يمثل بداية ظهور لتيار السلفية المنظمة، أو ما يمكن تسميته بالسلفية الحركية، التي بادر عدد من مشايخها المنشقين عن جماعة الشيخ مقبل إلى تأسيس جمعية الحكمة اليمانية الخيرية، وإصدار مجلة الفرقان التي ردوا من خلالها على الكثير من آراء الشيخ مقبل وفندوها، قائلين بأن آراء الشيخ لا تمت إلى السلفية بصلة.
وبتأسيس جمعية الحكمة اليمانية يمكننا التمييز بين جماعتين سلفيتين، الأولى هي الجماعة السلفية التقليدية بزعامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي، (والتي انشقت هي الأخرى بعد وفاة الشيخ عام 2001 م إلى جماعتين) والثانية هي الجماعة السلفية الحركية، والتي تمثلها اليوم جمعيتان خيريتان هما جمعية الحكمة اليمانية وجمعية الإحسان الخيرية.