نشأت الجماعة السلفية في اليمن تحت تأثير ظاهرة الإحياء السلفي في السعودية والخليج، في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي حديثة النشأة في اليمن، إذ يعود تاريخها إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي، حين عاد إلى اليمن الشيخ مقبل بن هادي الوادعي (رحمه الله) قادما من مكة المكرمة، بعد أن أفرجت عنه السلطات السعودية بعد ثلاثة أشهر قضاها في السجن بتهمة الاشتراك فيما عُرف حينها بفتنة جهيمان العتيبي، الذي استولى على الحرم المكي عام 1979م، وأعلن ظهور المهدي المنتظر. وكانت السلطات السعودية تتهم الشيخ الوادعي بأنه وراء كتابة بيانات جهيمان، بحجة أن جهيمان كان لا يعرف القراءة ولا الكتابة، وهذا ما نفاه الشيخ الوادعي فأطلقوا سراحه.
من هو الشيخ مقبل؟
ينتمي الشيخ مقبل بن هادي الوادعي إلى وادعة، أحد أفخاذ قبيلة بكيل اليمنية المشهورة، والتي يقطن جزء منها في محافظة صعدة، معقل المذهب الزيدي في اليمن، والذي يعد أقرب المذاهب الشيعية إلى أهل السنة، وينسب مذهبهم إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهم)، والذي تأسس في اليمن من قبل الإمام الهادي يحيي بن الحسين الرسي الذي قدم إلي اليمن سنة 284هـ.
وكان الشيخ الوادعي قد درَس بعض العلوم في العربية والفقه الزيدي، وحفظ القرآن في كُتَّاب قريته، قبل أن يذهب إلى مدينة صعدة لتلقي علوم المذهب الزيدي هناك، والتي ما لبث أن تركها سريعا لعدم ارتياحه للجو الطائفي الذي يفرزه التعليم المذهبي والتقسيمات الطائفية التي كانت سمة بارزة حينها.
ترك الوادعي صعدة عائدا إلى قريته بعد خلاف مع بعض زملائه الذين كان يدرس معهم الفقه الزيدي، وبعد فترة من الإقامة في قريته توجه إلى الحجاز بحثا عن عمل هناك، كغيره من اليمنيين الذين توجهوا إلى السعودية التي شهدت حينها نهضة عمرانية بفعل اكتشافات النفط فيها.
وبعد أن وصل إلى مكة وحصوله على عمل يقتات منه، التحق ببعض حلقات العلم فيها، وأخذ يقرأ العديد من الكتب، كصحيحي البخاري ومسلم، وكتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب، فكان تأثره بهذا الكتاب الأخير دافعا له إلى الالتحاق بأحد المعاهد الدينية، حيث أتم فيه دراسته الثانوية، وبعدها التحق بجامعة محمد بن سعود، وكان أثناء فترة دراسته يتردد على بعض المشايخ في مكة، يدرس على أيديهم ويستفيد منهم. ويذكر أن الشيخ الوادعي درس في كليتين معا في نفس الوقت، هما كلية الدعوة وكلية الشريعة.
واصل الوادعي دراسته العليا في الماجستير، رغم أنه لا يؤمن بعلم الشهادات الحديثة، إلا أن الاعتقالات التي تلت حادثة جهيمان أحالت دون إكماله للماجستير، وعاد بعدها إلى اليمن.
ومن خلال دراسته وإقامته في السعودية، كان الوادعي قد تأثر كثيرا بالسلفية السعودية، ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو (أي الوادعي) القادم من بيئة زيدية معتزلية تقدم العقل على النقل إلى بيئة سلفية حنبلية تقدم النقل على العقل، مما أحدث تغييرا وتحولا فكريا كبيرا لدى الشيخ الذي عاد إلى قريته دماج بفكر جديد يتصادم كليةً مع فكر ومعتقدات صعدة الزيدية، فواجه عنتا شديدا في بداية الأمر، أحدث له الكثير من المشكلات التي بدأت تخف شيئا فشيئا بعد بنائه لجامع صغير في قريته، تجنبا لمزيد من هذه المشكلات.