لقد شهدت اليمن خلال واحد وعشرون عاماً مضت، وهي سنوات ما بعد الوحدة المباركة جملة من الإنجازات التي لا يمكن إنكارها، كانتشار التعليم وزيادة عدد الجامعات وبناء الطرقات الحديثة، وتطوير وسائل المواصلات، وتوسيع الخدمات الصحية والاجتماعية، وتحسين خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي، وتحسين أساليب الزراعة والري والتوسع العمراني،وفي مجال الديمقراطية بما نتج عنها من تعددية سياسية، وحرية للصحافة، وانتخابات برلمانية محلية، ورئاسية،وها نحن في ألأمس القريب شهدنا انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة عن طريق انتخابات رئاسية مبكرة توجت هذه ألانتخابات بفوز الرئيس/عبد ربة منصور هادي وتشكيل حكومة وفاق وطني من جميع القوى السياسية في اليمن للفترة ألانتقالية المحددة بعامين حسب المبادرة الخليجية ،واليوم نشهد عملية جديدة في الممارسة الديمقراطية،وهي عملية إختيارهيئة عليا مستقلة لمكافحة الفساد المالي والإداري من قبل مجلس النواب والشورى حيث بلغ عدد ألأشخاص الذين تقدموا للفوز بهذه الهيئة قرابة خمسمائة شخص ، وقريبا الهيئة العامة للمناقصات ولجنة الرقابة على المناقصات،هذه المكاسب ما كان لها أن تتحقق لولا الوحدة المباركة التي خطت باليمن خطوات متقدمة إلى ألأمام،إلا أن هذه المكاسب كادت أن تفقد قيمتها، وأوشكت أن تتضاءل أهميتها، بسبب عدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وهو ما أدى إلى صعود عقليات متخلفة إلى مراكز اتخاذ القرار،أو المراكز القيادية المختلفة، وكان من جراء ذلك انعدام التوافق بين الفرد وعمله، وعدم تكيفه مع بيئته، وذلك لأن الأسلوب السائد في تعيين القيادات كان يعتمد على المؤثرات القبلية أو العشائرية أو الحزبية، أو الصلات والعلاقات الشخصية، فكان الفرد يكلف بوظيفة قيادية في وزارة أو مصلحة أو هيئة أو مؤسسة، ويطلب منه القيام بأعمال لا تتناسب مع قدراته وميوله، ومن غير أن يتم تدريبه أو تأهيله للقيام بتلك الأعمال، ومن دون النظر إلى قدراته وخصائصه وسماته الذاتية، يجد نفسه في المكان غير المناسب، وفي ذلك ضرر كبير يلحق به وبالعمل الذي يؤديه، وخير دليل على ذلك ما حدث ولا زال يحدث من أخطاء وأضرار تصيب المواطن والموظف والشعب كاملا من وزراء عينوا في حكومة الوفاق الوطني لأنهم عينوا على أساس مناطقي وحزبي وليس على مبدءا التخصص والكفاءة والقدرة ،فعندما يكلف شخص لوزارة المالية وتخصصه دبلوم طيران ماذا سيعمل في الوزارة فقط سوف يوقف العلاوات والتسويات حق الموظفين الغلابة بالرغم أنها ضمن الميزانية لهذا العام وصدر قرار رئيس الجمهورية بصرفها وبدلا عن ذلك يصرف إعتمادات شئون القبائل ،وعندما يعين وزير للكهرباء تخصصه ضابط أمني سابقا وحاليا مدرس للقانون الدولي بالتأكيد الكهرباء ستكون من سيئ إلى أسوء وسنعيش في الفترة القادمة في ظلام دامس قد تمتد لأشهر وليس لأيام،وهناك الكثير من التجاوزات المماثلة في مثل هذه الحالات،وهكذا دواليك يحدث في بلادنا اليمن دون غيرها من البلدان،مما يستوجب على ألأخ/ رئيس الجمهورية عبد ربة منصور هادي التحري وحسن الاختيار لشاغلي تلك الوظائف قبل إصدار القرارات بالتعين لهذا الشخص أو ذاك،بناء على الشعار الذي رفعته الدولة (وضع الرجل المناسب في المكان المناسب)لأن أي نظام سياسي يسعد الفرد أو يعلي من شانه عليه أن يسعد المجتمع،لأن وجودهم في وظائفهم هو وجود قيادي يحتم عليهم الأخذ بزمام الأمور ومقاليدها في المجتمع والدولة والسير بها نحو غاية مرسومة تجسدت في مبادئ أقرتها الأمة في دستورها،وهناك خوف وتوجس لدى قطاعات واسعة من أبناء الشعب اليمني في المرحلة القادمة حيث يجري الحديث بقوة في أوساط الناس أن ألأحزاب المشكلة لحكومة الوفاق الوطني سوف يمارسون الإقصاء على غيرهم من ألأحزاب ومن المستقلين عندما يتواجدون في مراكز قيادية وأنهم لن يتعاملون إلا مع من هم منتمون أليهم حزبيا.ً
وأني أظن، وأتمنى أن يكون الظن في غير محله،إن من تقلد أمور البلاد في هذه المرحلة سواء من حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه أو من أحزاب اللقاء المشترك وشركائهم لم يختلف عن الذي تقلدها سابقا من حيث عقلية الإدارة والخزين الفكري المتجذر في العقول،فبعضهم مازال يعتقد بان القيادة هي الغلبة أو العصبية،والبعض يرى مفهوم ومعيار المناسب سواء في الشخص أو المكان هو معيار القرابة بنوعيها المحسوب والمنسوب ، وآخر يراها بمقدار النفع المتحقق له إن كان شخص أو مجموعة،وغاب عن هؤلاء إن تقلدهم للوظائف هو تكريس لعمل جمعي يهدف إلى الخدمة العامة،ونافلة القول تلك،سلوك استفز الضمير من بعض القائمين على أمور البلاد في كل مفاصل سلطات الدولة التي اقرها الدستور اليمني،( التشريعية ، التنفيذية ، القضائية) وفي الإعلام وفي الندوات والتجمعات،كأنهم الأنبياء في أقوالهم وعند التطبيق كأنهم الأعراب اسلموا ولم يؤمنوا،الجميع تحدث بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب والبحث عن حكومة التكنوقراط وان ليس للوظيفة إلا أن تكون بمعيار الأكفأ والأفضل في سد المكان وإشغاله،لكن ما يجري فهو على خلاف ما تقدم،فلا معايير التقييم الصحيح طبقت ولا مؤهلات الترقية العلمية روعيت،وإنما قلدنا الوظائف في أعناق من لم يستحقها ومنحنا المناصب إلى من لم يقدر على أدائها،وخالفنا من حيث نعلم أو لا نعلم شعاراتنا التي لوحنا بها ومنها شعار الرجل المناسب في المكان المناسب،ووضعنا الرجل غير المناسب في مكان لا يتناسب ومؤهلاته أو أعطينا رجلا له قدرة على الأداء مكان لا يستطع معه تقديم الخدمة إلى الجمهور،وهذه السوداوية في الرؤيا والنظارات السوداء التي نلبسها حسب مصطلحات مسئولي الدولة لمن ينتقد فساد المسئولين وفساد السلطة خلقت فينا حالة التوجس من القادم،ولأن البعض ينادي إلى مد يد المحاصصة إلى مواقع المسئولية المختلفة،ومن ضمن تلك المواقع من سماتها الحياد مثل القضاء و ومكافحة الفساد والمناقصات والهيئات المستقلة، والخوف ليس من المحاصصة بحد ذاتها وإنما الخوف من أن نأتي برجال ليس بمؤهلين لشغل هذه المناصب،ونخسر آنذاك الدين والدولة،فإذا ما خضعت هذه المواقع للمحاصصة من أين لنا أن نجد الرجل المناسب في المكان المناسب،ومن خلال ما تقدم هل نحن جميعا بلا استثناء وضعنا الرجل المناسب في المكان المناسب ؟ سؤال لابد من الإجابة عليه منا نحن قبل أن يأتي جوابه من الشعب الذي لا يجيب بالأقوال وإنما بالأفعال التي سوف يلفظنا بها إلى خارج التاريخ ، وقد يظن البعض إن الأمر لا يتعدى عن أن يكون خطأ دنيوي مغتفر حينما يمضي أمر التنصيب أو التعيين وهو عالم بأحوال من يمضي له ، يستغفر قبل أن يضع المداد على الصحائف،ويظن أن الله سيغفر له،لكن الله لا يغفر من تعمد الذنب فارتكبه والله لا يغفر( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا )أما هؤلاء العامدين لعدم وضع الرجل المناسب في المكان المناسب أو الذين يمنحون المناصب لغير أهلها ويتوهمون إنهم في منأى عن الله عز وجل،فرب العزة يرد عليهم بقوله تعالى (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) وهل تقف مساءلة هؤلاء في حدود الدنيا وينتهي الأمر بالاستهجان والاستنكار من الناس والأمة،لا اعتقد ذلك لان النبي محمد (ص) جعل من علامات انتظار الساعة أن يوسد الأمر إلى غير أهله وذلك تضييع للأمانة، وفي حديث نبوي شريف (من ولى رجلاً وهو يجد من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين) كما ورد في الصحاح وكتب الحديث الشريف، لان وضع الشيء في غير مكانه هو الظلم بعينه إذ ورد تعريف كلمة ( ظلم) في المعاجم العربية ومنها معجم لسان العرب لابن منظور إذ عرف الظلم (وضع الشيءَ في غير موضعهِ)وبذلك فان من يولي رجلا غير مؤهل أو يضع شخصا في غير مكانه يكون ظالماً، ولا يختلف الأمر إن كانت الوظيفة إلى الشخص قليلة الأهمية أو كبيرة في منظومة الدولة اليمنية ، ومن يكون ظالما وجبت عليه لعنة الله،وفق قوله عز وجل (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) كما سيلعنهم اللاعنون على وفق الآية الكريمة (أُولَئِكَ يَـلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَـلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) فانتبهوا يأيها السادة من ولاة الأمور وقادتها إنكم إن لم تراعوا الله في الشعب اليمني،ومراعاة مصلحته أولا واختيار المؤهل والمناسب فإنكم في فلك الظالمين يلعنكم الله واللاعنون . والله من وراء القصد والسبيل