ابتسام حمودآل سعد //كاتبة قطرية
ربما ظن الجميع أنني لم أكتب عن (جديد) اليمن؛ ربما لأنه ليس لدي ما أقوله بعد أن وقع الرئيس على
(مبادرة السلام الخليجية)، وتبنتها الأمم المتحدة بموافقة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ومباركة دول المنطقة.. لا ولكنني آليت أن أنتظر إلى حين ما سيلفظه رحم هذه (الفوضى)؛ التي ألمت ببلد أحالته بعض (الشللية) إلى وطن يتربص به أعداء الفتن والمؤامرات من تنظيم القاعدة والحوثيين واللقاء المشترك، وحالياً التيار الإسلامي (المغلوط) الذي يقوده حزب الإصلاح المنقلب تماماً على أصول الإسلام وتعاليمه الداعية إلى الصلح والسلم والأمن والأمان، والذي يحاول تحويل اليمن إلى دولة سلفية تفرخ من يسمون بـ”المجاهدين” الذين يسعون- وبصورة خاطئة- إلى
(تحرير الأرض من الكفار) على حد زعمهم!..
وللأسف أن نجد كثيراً يظنون بأن توقيع الرئيس اليمني على المبادرة كان خنوعاً منه وضعفاً، وتناسوا بأن المبادرة أساساً قد كشفت عن حقيقة فوضى في اليمن ولم تكن “ثورة” منذ البداية، و(الحل) في النهاية جاء لتوقيع سلام بين طرفين هما (الحكومة والمعارضة)؛ متجاهلاً وبقوة من يسمون بـ(شباب الثورة) المعتصمين في ساحة الجامعة، والذين لهم مطالب لم يكترث لها حتى مشعلو الثورة من أفراد اللقاء المشترك والإصلاح على وجه الخصوص، ولم تأخذ بها المبادرة الخليجية بعين الاعتبار!.. وهذا هو الذي حصل بالفعل لأن المسألة كلها هي حكومة شرعية ومعارضة تريد التغيير، ولم يذكر أحدهما شباب الثورة إن كانوا فعلاً يصرون على تسميتها “ثورة” تشبه إلى حد ما ثورتي تونس ومصر واللتين تحولتا حالياً إلى ما يشبه ما بدأت به فوضى اليمن، وهذه دائرة من الاسم المتداول بـ (الربيع العربي)، ولا أدري سر هذه التسمية إن كان نصف هذه الشعوب الربيعية مقتولة أو مسجونة وكثير منها مغرر به !!..
كما أنه يجب أن نلتفت إلى أن ما أراده الرئيس اليمني هو بالفعل ما حصل بعد أن تأخر متعمداً في التوقيع على المبادرة بهدف إسقاط الأقنعة التي تريد الصلاح لليمن ظاهرياً والدمار له خفية في حين كانت المعارضة تتحجج بمماطلته في التوقيع.
وخروج الرئيس من رأس السلطة وبقائه رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام في وطنه الذي لم يفر منه مذعوراً مثل بن علي أو لم يكن مسجوناً في أحد سجونه مثل مبارك أو لم يكن مختبئاً في حفرة للصرف الصحي ثم مقتولاً مثل القذافي أو لم يكن مترنحاً كما هو حال بشار الأسد اليوم، كل ذلك لا يعني أن (علي صالح) قد فعل ذلك مرغماً، لا سيما وأن أغلبية شعبه معه، وكان يستطيع أن يبقى في شد وجذب مع رؤوس المعارضة حتى موعد نهاية حكمه في 2013 ومن خلال صناديق الاقتراع التي أتت به حاكماً، وهي التي كانت ستنحيه عن الحكم، ولكن خبرة وحنكة هذا الرجل اللتين شهد له بهما أعداؤه هما اللتان جعلتاه يخرج عزيزاً لا يذله بنو قومه كما فعل المصريون والليبيون وغيرهم، وهذا الخروج المشرف كان عبر مبادرة تبنتها دول الخليج وباركتها كبرى الدول في العالم وتلقفتها الأمم المتحدة من خلال مبعوثها الدولي جمال بن عمر؛ الذي يتابع حتى اللحظة آلية تنفيذ بنود المبادرة التي وافقت المعارضة عليها وعلى أساسها تم تشكيل حكومة
(وفاق وطني)، رئيسها نائب صالح عبد ربه منصور ورئيس وزرائها باسندوه من المعارضة مع بقاء (علي) رئيساً لتسعين يوماً!..
وهذا ما كان يجب أن يكون لأن اليمن لا يمكن أن تقوم على أرضه (ثورة) مستنسخة عن ثورات تونس ومصر وليبيا، إذ الحكومة (المؤتمرية) التي يرأسها صالح لها من المؤيدين ما يفوق عدد المعارضين، والفوضى التي عمت هذا الوطن حركتها (الأموال) التي يمتلكها حميد الأحمر وأعوانه وبعض النفوس المريضة التي تناست اليمن ونست الوطنية، واليوم ورغم الإعلان عن حكومة الوفاق الوطني إلا إن بعض (عقارب وأفاعي) الخراب تسعى إلى مزيد من زلزلة هذا الوفاق باعتباره باطلاً وإعادة اليمن إلى نقطة الصفر، عبر سقوط المزيد من القتلى وإشعال فوضى تخريبية تجعل من مدن اليمن كما هو حال منطقة (الحصبة) الآن التي باتت مهجورة، لا يسكن في زواياها سوى طلقات رصاص فارغة اخترقت الجدران والأفئدة، فأطلقت صيحات مذعورة كان نصيب سكانها الفرار بأنفسهم.. فهل هذا هو مصير اليمن السعيد الذي بات اليوم وبفعل فاعل آثم بلداً خلف قضبان الحزن والألم والآهات المكلومة؟!.
لذا أقول اثبتوا فاليمن قادر على الوقوف على رجليه ولا يحتاج إلى عكاز لا يحتمل ثقله الجغرافي والتاريخي والسياسي، ولا إلى من حوله ممن يعلنون له المحبة ويضمرون له الكره!.. اثبتوا فإن لليمن قدرة على الاستعلاء، ومن فكر بأنه يمكن له أن يسقط مترنحاً فهو واهم، فهذا البلد أنجب العرب ومن يفخر بعروبته فعليه فعلاً أن يحب اليمن أولاً وينقذها ثانياً، وإلا فلا داعي لأن يفخر بعروبة كاذبة فيه، لأن كل حرف سيقوله سيُكتب بسببه عند الله كذاباً!.
فاصلة أخيرة:
“إن كنت عربياً فأنت الأحق بأن ترفع رأسك فقد حظاك الله بالعروبة.. وإن كنت يمنياً فاسجد لله شكراً فإن العرب يعودون بأصلهم إليك”
كلمات قلتها وأقولها وسأقولها حتى تشرق ابتسامة أصيلة يمنية تحرق بها خفافيش الظلام