إمارة النهدين (أحمد عبد الملك المقرمي)
الصحوة نت - خاص
هذه المملكة المتوارية خلف الأسوار, والمتكئة على تبتي النهدين بمساحة مترامية, يجب أن تتحول بعد نجاح الثورة ـ قريبا أن شاء الله ـ إلى مؤسسة ثقافية وصرح علمي.
يجب أن تتحول رأسا على عقب من وكر للجهل والإستبداد والغطرسة, إلى صرح للفكر والعلم والثقافة.
إن بقاءها مقرا للحكم تغري القابع فيه أن يتجبر ويتفرعن, وحدها مساحة دار الرئاسة إمارة أو مملكة, يصعب على النفس المريضة أن تسكن مثلها ثم لا يتضخم لديها الذات وينتفش فيها جوع الحكم وجشع الإستبداد وحب التملك وإدمان الديكتاتورية.
يطل الحاكم فيها على قمة إحدى التبتين, فيسترخي على كرسي وثير ويمد بصره إلى ماوراء أسوار دار الإمارة فتتراءى له حقول النفط ومصايد الأسماك ومناجم الذهب كما يرى الشاحنات المحملة بالبضائع أو القاطرات التي تنقل النفط فيقول إذهبي حيث شئت (فخراجك) عائد إلي! أنظر هو لا يخاطب السحاب كهارون الرشيد, لأن مخاطبة السحاب يستدعي التطلع إلى السماء والنظر إلى أعلى وهو إنما عاش ودرج في حياته يتطلع إلى (البقع) وينظر إلى الأسفل.
يأخذه الزهو والغرور مرة أخرى,فينظر إلى الأسوار والاسلاك الشائكة ويرى عليها وحولها, ظاهرا وباطنا الآلات العسكرية الحديثة والمعسكرات المحيطة بالدار من كل جانب, فيتمادى به غروره فإذا هو يكرر خلق الطغاة ويستدعي مقال المستبدين: (أليس لي ملك مصر)؟
فيسخر من الإنسان والإنسانية, يهزأ بالقيم ويتنكر للأخلاق, يدوس القوانين ويقهقه كبرا و غروا فيردد المقولة نفسها أليس لي ملك اليمن وهذه الخيرات ملك يدي؟
يصعب على أي طاغية أن يغادر مثل تلك الدار (المملكة), ولو أنه كان يسكن دارا متواضعة أو على الأقل فيلا معتدلة, لما تضخمت لديه الأنا وحب التملك إلى هذا الحد, بل وحتى أبناءه ما كانوا ليغيب عنهم خلق التواضع ولكان لهم حظ ونصيب من البساطة والمرونة والخلق الودود, بدلا من التنكر للشعب والتعامل معه كتركة موروثة عن (الوالد).
ينبغي للرئيس القادم أن يسكن دارا يسهل عليه فراقها ومغادرتها. كما ينبغي أن تتحول دار الرئاسة إلى مؤسسة عامة في مجال الفكر أو الثقافة والتربية, فللبقاع أثر في الطباع.. ولقد أثر هذا الملك العريض لدارا لرئاسة في أخلاقيات القوم ظنوا معها أن لهم ملك اليمن وكل ما يجري عليها وأن من حقهم أن يفعلوا ما يريدون بلا حسيب ولا رقيب.