يشهد اليمن منذ فترة إرهاصات سياسية وأمنية لا تبعث على الارتياح، ولا تدعو إلى التفاؤل، وكان الأمل دائماً بأن اليمنيين يستطيعون تجاوز أية أزمة تواجههم بالحوار من خلال إعلاء مصلحة الوطن على أية مصلحة شخصية أو حزاملية أو قبلية.
لكن يبدو أن الصراع السياسي القائم، والذي يتخذ من الانتخابات المقبلة مادة رئيسية له، بدأ يتخطى المراهنة على التعقل، والامتثال إلى قواعد “الحكمة اليمانية”، وهناك خشية من انفلات الشارع الذي يتم تجييشه وحقنه بكل مستلزمات التفجّر، ولعل ما حدث أمس الأول مجرد مثال على حال الاحتقان الذي مارسته أحزاب السلطة والمعارضة خلال الأشهر القليلة الماضية، وفشل كل محاولات حملها على تقديم تنازلات متبادلة تجنب اليمن الكثير من الشرور التي زرعت بذورها في التربة اليمنية على غرار حرب صعدة بين القوات الحكومية والحوثيين، أو تصاعد وتنامي التيارات الإرهابية المتطرفة التي تضرب يساراً ويميناً، والاشتباك السياسي العنيف الذي خرج عن مساره وتجلى بتظاهرات عنيفة ومواجهات دموية في بعض مناطق الجزء الجنوبي من الوطن اليمني على خلفية اجتماعية، حيث برزت دعوات غريبة ومريبة تطالب بالانفصال.
إن القوى السياسية المعنية مدعوة لتفهم أوضاع اليمن وحساسية مناكفاتها وشروطها، وأثر ذلك على الصعيد الشعبي وما يمكن أن تتركه من نتائج وذيول قد تكون كارثية. ولعل حرب الانفصال والوحدة في مطلع تسعينات القرن الماضي كانت درساً للجميع، بأن لغة الحوار وحدها تؤدي إلى نتائج إيجابية إذا ما تم وضع مصلحة اليمن فوق أية مصلحة أخرى.
يجب ألا تكون الانتخابات أو غيرها من قضايا داخلية مهما اختلفت وجهات النظر في شأنها، ومهما كانت المواقف متعارضة، سبباً لوضع اليمن مجدداً في دائرة الخطر، لأن الوحدة الوطنية هي وحدها السقف الذي يحمي وحدة الوطن ويحول دون تصدعه أو تعريضه للخطر.
إن ما حصل مؤخراً يمكن استيعابه وتطويقه، إذا ما تم إدراك مخاطره، والأمل كبير بأن القوى اليمنية كافة بكل شرائحها ومشاربها وانتماءاتها، ستقف عند لحظة الحقيقة عند مسؤولياتها الوطنية والقومية والأخلاقية.