تذكير بمساهمة فاتح الموضوع : عبدالله سلام الحكيمي
الشهيد الحمدي نموذج القيادة المسؤلة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]تهل علينا اليوم الذكرى ال33 لحركة 13 يونيو عام 74م التصحيحية التي خطط لها وقادها الشهيد الرئيس القائد إبراهيم محمد الحمدي ..
والواقع أنني طوال هذه الفترة منذ قيام تلك الحركة ، التي شكلت وميض برق مشرق في ظلماء سماء حياتنا السياسية اليمنية ، كتبت كثيراً حولها وعنها ، وعادة ما انفر عن تكرار ما سبق أن كتبته في أي قضية من القضايا ولكني أمام إلحاح أستاذتنا القديرة سامية الأغبري التي لا استطيع رداً لطلبها للكتابة حول ذكرى حركة يونيو .
وسوف أتناول الحركة هذه المرة من زاوية اخالها شديدة الارتباط بما تعيشه بلادنا هذه الايام من احداث وتطورات ، زاوية تتناول طبيعة القيادة المسئولة عالية الشعور بالمسئولية التي ميزت قيادة الشهيد الرئيس القائد إبراهيم الحمدي لتلك الحركة في كيفية السياسة التي انتهجتها في ادارتها لشئون الوطن وقضاياه.
لقد اتخذت حركة يونيو لنفسها هدفاً استراتيجياً محورياً يتمثل ببناء أسس ومقومات الدولة اليمنية الحديثة وأدركت إدراكا صائباً عميقاً بأن هذا الهدف الاستراتيجي المحوري بما يشتمل عليه من وضع حدٍ للتسيب والانفلات والفوضى العامة والقضاء على أوضاع الفساد العامة و التصليح المالي والإداري الشامل لا يمكن أن يتأتى ويؤتي ثماره ونتائجه المرجوة إلا عبر وسيلة استتباب الأمن والاستقرار العام في البلاد ، ومن اجل تحقيق ذلك شرعت القيادة المسئولة في حركة يونيو ممثلةً بالشهيد الحمدي على تحقيق هدفين متوازيين ومتكاملين :
الأول :- خلق صيغة تفاهم اخوي ينهي حالة التوتر والحروب مع قيادة الشطر الجنوبي من اليمن آنذاك ممثلة بالرئيس سالم ربيع علي وهي صيغة كانت قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الوحدة اليمنية لولا تطورات دراماتيكية مفاجئة طرأت على الشطرين معاً .
الثاني:- تجميد وترويض الاختلافات والتوترات الداخلية في الشطر الشمالي من الوطن بإسلوب ايجابي بناء ذي نفس طويل يقوم على إسلوب في المعالجة يتحاشى اللجوء إلى استخدام القوة والعنف من قبل الدولة ضد مناوئيها السياسيين انطلاقاً من إدراكها لحقيقة أن القوة المسلحة غالباً ما تؤدي إلى كوارث بأكثر مما تحققه من حلول إذ أن الدم لا يقود إلا لمزيد من الدم ..
اذكر أن سوء تفاهم وخلافاً قد حدث ،آنذاك، بين الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس مجلس الشورى حينها ، عافاه الله وأطال عمره ، وقيادة حركة 13 يونيو ممثلة بالشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي نتج عن قيام الأخير بتجميد ومن ثم حل مجلس الشورى وتفاقم ذلك الخلاف على نحو دفع بالشيخ عبد الله إلى النزوح إلى قبيلته في حاشد ومن هناك بدأت تلوح تحركات قبلية في اتجاه تشكيل موقع مناوئ أو معارض للسلطة ، وأدت تفاعلات هذا الوضع إلى تصاعد أصوات ضاغطة داخل الحكم تطالب الحمدي باتخاذ موقف حازم وصارم باستخدام القوة العسكرية في مجابهة تلك التحركات واستقال وزير من اقرب كبار مسئولي الدولة إلى الشهيد الحمدي متمهاً الأخير بالتردد والضعف وبأنه "سيف من خشب" ، وسط هذا الجو كان لي لقاء مع الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي ، باعتباري رئيس تحرير صحيفة 13 يونيو وناطقاً رسمياً باسم مجلس القيادة ، وعلى ما اذكر أن أخي العزيز اللواء علي حسن الشاطر مدير التوجيه المعنوي للقوات المسلحة التي تصدر الصحيفة آنذاك ، كان حاضراً هذا اللقاء ، و دار حديث بيننا حول تلك الأجواء التي أشرت إليها آنفاً .
قال الشهيد إبراهيم الحمدي أن هؤلاء الذين يتهمونني بالضعف والجبن ويريدونني أن أزج بأبناء القوات المسلحة في مستنقع المواجهة مع بعض القبائل بما يؤدي إلى إزهاق الأرواح وسفك الدماء على الجانبين ناهيك عن التدمير والخراب إنما يجانبون الصواب جملة وتفصيلاً، ولو أخذنا الأمرعلى صعيد شخصي بحت فأنا ، يعني هو نفسه ، اكبر مغامر، لكن الأمر هنا ليس أمر مغامرة أو عدم مغامرة وإنما ممارسة الحكمة في إطار من الشعور بالمسئولية الجسيمة الملقاة على عاتق من يتولى إدارة الحكم ، فأنا بدل من أن ارمي بأبناء القوات المسلحة إلى مستنقع موحل قد تعرف كيف تدخل إليه ولكنك قد لا تعرف بعد ذلك كيف تخرج منه، فإنني استطيع على نحو ايجابي وبناء أن أواجه تلك التحركات بإدخال المدرسة والمستوصف والطريق وسائر الخدمات إلى تلك المنطقة ودعهم بعد ذلك يرفضون إدخال تلك الخدمات ليجدوا أنفسهم بحالة تصادم مع أبناء قبائلهم الذين يتوقون لتطوير مستويات حياتهم وأبنائهم .
وعلى صعيد آخر وارتباطاً مع ما سبق لقد اخبرني احد أعضاء مجلس القيادة آنذاك انه وفي ذروة تصاعد تلك التحركات المناوئة للنظام فوجئ قادة الدولة من عسكريين ومدنيين أن الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي قرر منفرداً ودون أن يشعر أحداً بالذهاب إلى بيت الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في خمر واخذ سيارته دون حراسة ووصل فجأة إلى منزل الشيخ وحيداً وجلس معه جلسة ودية"جلسة قات" وانطلق قادة الدولة يبحثون عن قائدهم الذي اختفى فجأة دون أن يعرفوا أين هو، إلى أن عرفوا أخيرا انه ذهب إلى خمر وبمفرده وحركوا سريعاً بعض الوحدات العسكرية من اللواء الأول مشاة الذي كان متمركزاً في مدينة عمران القريبة وتمركزوا في "القشلة" المطلة على منزل الشيخ عبد الله وماحوله مما أثار غضب الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي على هذه التصرفات وأكمل جلسته ثم عاد ، في حين كان الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وسط صدمة المفاجأة قد نشر بعض من أفراده المسلحين لحماية الحمدي تحسباً لحدوث أي شئ غير متوقع يتحمل الشيخ مسئوليته .
هذا نموذج عملي واقعي حدث بالفعل يظهر لنا تعامل القيادة المسئولة ، رفيعة الشعور بالمسئولية ، مع المناوئين لها والمختلفين معها سياسياً ، وهذا نموذج ندر وجوده في حياتنا السياسية الراهنة بل اختفى تماماً واختفى معه مستقبل ظللنا ننشده نحن وأجيالنا من بعدنا ، وهو نموذج فذ في القيادة طبع حركة 13 يونيو بطابعه تاريخياً.
أما على صعيد تعامل تلك القيادة المسئولة مع مواطنيها وأسلوب إدارتها لشئون الحكم وعلاقة الدولة بالمواطن ومسئوليتها إزائه ، انطلق موقفها من التسليم المبدئي الثابت القائل بأن الحاكم في الأول والأخير ما هو إلا خادم للشعب وليس متحكماً فيه أو مستعبداً له ، فإننا نتبين ذلك من خلال موقفين إنسانيين مشرقين يدلان ابلغ دلالة على فلسفة الحكم وعلاقة الحاكم بالمحكوم في أبهى صورها .
الموقف الأول: حينما حدثت في مدينة تعز جريمة بشعة بإقدام مدرسين باغتصاب طفلة وقتلها ، جريمة تحدث في كل المجتمعات وفي كل الأحيان وأبشع منها ، لكنها هزت القيادة المسئولة لحركة يونيو من الأعماق ودفعت قائدها الشهيد إبراهيم الحمدي إلى الانتقال إلى مدينة تعز مسرح الجريمة على الفور ليتابع بنفسه تفاصيل وملابسات تلك الجريمة البشعة ولم يعد إلا بعد أن تمت محاكمة المجرمين ميدانياً وتوقيع العقاب العادل فيهم.
الموقف الثاني: حدث في صنعاء حين صدمت سيارة مسرعة حافلة طلاب مدرسة من الاطفال وأدت إلى مقتل عدد منهم حيث كان الشهيد الرئيس الحمدي ، رحمه الله رحمة واسعة ، في ذلك الصباح الباكر أول من حضر بعد الحادث مباشرة وهو في ملابس النوم قبل أن يصل المسئولون ذوي العلاقة وأولياء أمور الطلبة وظل يتابع مجريات القضية حتى نهايتها.
كثيرة هي المواقف المماثلة إنسانياً وسياسياً المأثورة عن حركة 13 يونيو التصحيحية وقائدها خالد الذكر إبراهيم الحمدي ،ولكنني اكتفيت بانتقاء ثلاثة نماذج رئيسية منها تفي بالغرض الذي أسعى إلى إبرازه ، مقارنة بما يجري اليوم على ساحتنا السياسية الداخلية من أحداث وتطورات عاصفة ، سواء الحرب في محافظة صعدة التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات وما تسببه من خسائر فادحة في الأرواح والدماء والممتلكات وما تفاعل عنها من تفاعلات تمس بضرر بالغ نسيج وحدتنا الوطنية والسلام الاجتماعي الداخلي ، أو ما تنذر به النذر من أحداث مماثلة في محافظات شبوة وأبين والضالع ومأرب وغيرها ، إنها أحداث وتطورات تدل دلالة قاطعة على سوء إدارة الدولة وخطأ سياساتها وتقديراتها وقراراتها ..فلقد كان متاحاً وممكناً تحاشي وعدم الوقوع في مستنقع حرب صعدة الخطير بسهولة بالغة ,لو توفر الحد الأدنى من الحكمة وبعد النظر خاصة وان جماعة الحوثيين لم يبادروا أصلاً إلى استخدام القوة والعنف إلا كرد فعل لقرار الدولة بالحرب !! والآن ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على تلك الحرب المشئومة لازال بالإمكان وقفها بسهولة ويسر وخاصة إذا علمنا أن الحرب تتوقف حينما يتوقف الجيش عن إطلاق النار وتعود بعودته إليها ..
واعتقد أن التزام الجيش بوقف إطلاق النار من شأنه أن يوقف الحرب تلقائياً ، ثم الإسراع بعودة الوحدات العسكرية إلى ثكناتها وانسحابها من القرى والمناطق التي دخلتها ,إذ أن بقائها يجعل الوضع دائم الاستنفار والتوتر ، ثم يصبح إيجاد حل سلمي ممكناً وسهلاً بأكثر مما يتوقع الكثيرون ! وهكذا بالنسبة لما يجري في محافظات شبوة والضالع وغيرها التي لا تتطلب لمعالجتها معالجة ناجعة أكثر من مجرد احترام القوانين وإعمالها على الجميع دون تمييز أو مفاضلة!
وكم هو البون شاسع وشاسع جداً بين الأمس واليوم ، اليوم يدهس المواطن تحت سنابك مواكب المسئولين في الطرق ، ويضرب بأعقاب البنادق إن لم يتحرك في زحمة السير المسدود بدعوى الاعتبارات الأمنية, ولا يجب على احد أن يشكو أو يتألم أو ينتقد بل يجب عليه أن يعبر عن رضائه وشكره لله على ما انعم عليه !
اليوم تنهب الحقوق ويضطهد المواطنون دون وجود من يلجأ إليه من عدل أو قانون فالقانون لقوة الحكم والتسلط ..
اليوم أصبح الوطن ملكاً خاصاً لفئة حاكمة تورث الوظائف والمواقع في الدولة لأبنائها وأقاربها وتستأثر عبر الفساد بالمال والثروات والامتيازات العامة دون رقيب أو حسيب ، وتفسد الأخلاق وتشتري الذمم وتخرب الضمائر بسوء استخدام المال العام مال الشعب والتصرف به على هوى تلك الفئة الحاكمة .. اليوم أصبحت بلادنا بمن فيها ومن عليها تماماً كإقطاعية خاصة تمت السيطرة عليها بالغلبة .. اليوم أصبحت أرصدة كبار مسئولي الدولة المالية تعج بها بنوك العالم بمليارات الدولارات ، و70 % على الأقل من الشعب يعيش تحت خط الفقر والفاقة ، والفرق الوحيد بين الأمس واليوم يكمن اساساً في فلسفة الحكم لدى هذا الحاكم أو ذاك ، ذاك فلسفة الحكم عنده وظيفة وخدمة عامة للشعب وأمانة جسيمة يتحملها الحاكم على عاتقه إن لم يكن أمام الشعب فأمام الله علام الغيوب وشديد العقاب ... وهذا ينظر إليها على أنها حق الهي منحه إياه الله يتصرف به كيفما شاء وعلى من يشاء والشعب في هذه الحالة يجب أن يكون خادم للحاكم ومسخراً لأهوائه الشخصية.
بالله عليكم بأي مسوغ أو مبرر أخلاقي أو ديني يتم تعيين أبناء المسئولين في وظائف قيادية عليا في وزارات الدولة ومؤسساتها وسفاراتها قبل أن ينهوا دراساتهم ! أين حقوق المواطنة المتساوية، معنى ذلك في المحصلة النهائية أن أبناء الشعب المؤهلين والقادرين يجب أن يكونوا أو يضعوا أنفسهم خدماً للمسئولين وأبنائهم ! وشتان بين حاكم يعتبر نفسه مسئولاً ومحاسباً عن كل فرد من أفراد الشعب أمام الله أو خلقه وان الحكم أمانة جسيمة قبِل أن يتحمل أعبائها ، وبين حاكم يعتبر البلاد وما فيها وما عليها تحت أمره وفي خدمته هو وبطانته.
ومعلوم من خلال دروس التاريخ وعبره أن الأول يخلد ذكره على صفحات التاريخ مشرقةً زاهيةً أما الثاني فإن مصيره وعاقبته شنيعة وبائسة طال به الزمن أم قصر ،هذا لمن لم يعتبر بعبر من سبقه واستخلص الدروس المستفادة من تجارب من سبقه .
من هذا المنطلق وبهذه الرؤيا فليس بغريب او مستهجن ان يكن الناس للشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي هذا القدر الكبير من الاحترام والتقدير والإجلال بعد ثلاثة وثلاثين عاماً من قيام حركته التصحيحية رغم ان فترة حكمه الزاهي لم تستمر سوى ثلاث سنوات فحسب .. ان للشعوب ذاكرة لا تنمحي منها ذكرى قادته الذين عملوا من اجله وفي خدمته حتى لاقوا ربهم راضيين مرضيين ، ولعل ابلغ دليل على وفاء الشعوب لمثل هؤلاء القادة الأفذاذ ان الشعوب تخلدهم بعد موتهم بأكثر مما كانوا في حياتهم فاعتبروا يا أولي الألباب ، ولعلها مصادفة جميلة ان اكتب اليوم في الذكرى 33 لقيام حركة13 يونيو التصحيحية بالتزامن مع تدشين وإطلاق الموقف الالكتروني الخاص بالشهيد الرئيس القائد خالد الذكر إبراهيم الحمدي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]واعتقد أن تدشين وإطلاق هذا الموقع سوف يسهم في كتابة تاريخ حركة 13 يونيو وقائدها خلال مختلف مراحل التمهيد والتخطيط والتنفيذ والحكم القصير الزمن العظيم الانجازات حتى تعرف الأجيال القادمة فترة متميزة متألقة من تاريخها السياسي الوطني ، واعتقد ان هذا الموقع سيكون بمثابة الساحة التي تلتقي فيها اسهامات كل من له اسهام في الهدف الذي من اجله أنشئ الموقع والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل .