يا سبحان الله حتى الموت أصبح يصنف فيه الناس إلى أصناف عدة!!، فكلما كان الشخص الذي توفى قريباً من جهة معينة كلما أعطته تلك الجهة مرتبة عالية، بل وقد تقتصر وصف الشهيد عليه دون غيره، ومن هنا جاءت الغرابة في توزيع الألقاب، وان ارتضيناها للأحياء، فلا يمكن بأي حال أن نميز فيها بين الأموات خاصة إذا كانوا قد فارقوا الحياة بنفس الكيفية والأحداث.
• نحن نحتسب جميع الذين تم الغدر بهم في الأزمة السياسية اللعينة التي عصرت ببلدنا شهداء عند الرحمن، راجين منه عز وجل أن يسكنهم فسيح جناته، وان يلهم أهلهم وذويهم ومحبيهم الصبر والسلوان، جميعاً دون استثناء، لا نفرق في ذلك بين شاب وشيخ، ولا طفلة ومسنة، ولا مدني وعسكري، ولا معتصم في الساحات وساكن في بيته أو راقد في المستشفى.
• ملابسات موت الجميع واحدة –رحمهم الله جميعاً- فالمغدور به في بيته ومع أسرته حين تنالهم قذيفة لا يعلم مصدرها، لا يقلون في الشهادة عن الذين في الساحات، والذين يموتون على أسرّة المرض وفي غرف العمليات نظراً لانعدام الدواء وفساد الدم، وانطفاء الكهرباء بسبب المخربين الذين يتعرضون لأعمدتها، يقل شهادة عن شهداء جمعة الكرامة.
• إن الجندي الذي خرج من اجل حراستنا، والمغدور به في موقعه مع بقية زملائه ألا يعد شهيداً؟، وقد خلف وراءه أسرة تنتظره بشوق، وإذا بالفاجعة تحل عليهم كالصاعقة، بل وللأسف الشديد لا يلقى إلا جنازة رسمية وكفى، فيما البقية تفرد لهم مساحات واسعة في وسائل الإعلام، وكأن الشهادة اقتصرت عليهم فقط.
• ليس الشهيد مقصوراً على من غدر به بالساحات، بل على كل نفس لقيت ربها منذ اندلاع الأزمة المقيتة، فما الساحات إلا عينة بسيطة عن كم كبير من الموتى الذين لا يعرف بهم إلا الله، لأنهم وببساطة لا يتبعون أحداً، ولا ينتمون إلى حزب، ولا يوجد من يزايد على دمائهم الزكية الطاهرة كطهر أرواح شباب الساحات.
• إن هذا التمييز بين الموتى يدعونا للتساؤل هل هناك شهداء كرامة؟ وشهداء بلا كرامة؟ إن هذا التمييز وللأسف الشديد نلحظه في وسائل بعض الجهات، التي لم تكلف نفسها حتى الذهاب إلى المستشفيات، لمعرفة عدد الذين قبضت أرواحهم، لأن انقطاع الكهرباء لم يسمح للأطباء بإجراء العمليات الجراحية لهم.
• كم من امرأة حامل فارقت الحياة وماتت هي وجنينها، لأن ذويها لم يستطيعوا إيصالها لأقرب مركز ولادة، إما بسبب التقطعات أو المتاريس والحواجز، وإما بسبب أن خيام المعتصمين أغلقت شوارع رئيسية، فما بالنا بالفرعية، أليست تلك هي ومن في بطنها شهداء كرامة؟ أم هم شهداء بلا كرامة.
• موتى مراكز الغسيل الكلوي أليسوا شهداء؟، ولم يرحمهم احد بالرغم من حاجتهم الماسة للعون والمساعدة، وقس على ذلك مئات ومئات من أهل اليمن الذين قضوا نحبهم من دون أن تذرف عليهم دمعة واحدة، فهل الدموع على شهداء بعينهم؟.
• أن صدر القرار الجمهوري رقم “ 8 “ لسنة 2012م في 17 مارس 2012م، بشأن ضحايا الاحتجاجات السلمية 2011م، والقاضي باعتبار كل المدنيين الذين سقطوا عام 2011م بسبب الاحتجاجات السلمية شهداء الوطن، واعتماد راتب جندي لكل شهيد وكل معاق كلياً، مع ضم المعاقين جزئياً إلى صندوق الرعاية الاجتماعية طبقاً لنظام الصندوق، والمعني بإعداد لائحة خاصة تتعلق بالشهداء والمعاقين كلياً تصدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء. وكذا إلزام الحكومة بتوفير الرعاية الصحية للمصابين ومعالجتهم في الداخل أو الخارج بحسب طبيعة الإصابة. شيء ممتاز ولكن يبقى السؤال: ما مصير من توفى بسبب الأزمة في البيوت والمستشفيات؟ أليسوا شهداء بكرامة؟ أم شهداء بلا كرامة.
• المسألة لا تحتاج إلى عصبية أو قومية أو جهوية أو مناطقية أو سلالية أو حزبية، لنعطي هذا لقب شهيد كرامة، فيما الآخر لا يذكر حتى من بين الأموات، وربما تعفنت جثته واكلتها الدواب؟، ومن هنا فعلى رئيس الجمهورية أن يشمل هؤلاء بالتعويض الذي شمل غيرهم، وعلى جميع الجهات حصر الذي توفوا بسبب الأزمة في بيوتهم أو في المستشفيات أو أثناء الذهاب إليها بإفادة من أهلهم.
• كلنا يمنيون وأبناء وطن واحد وسندفن جميعاً في تربة اليمن الغالية، ولهذا فمن المعيب اقتصار الشهادة على أناس محددين وحرمان الآخرين منها، مع أن كلمة شهيد هي كلمة مجازية، فلا أنا ولا أنت من يحدد من هو الشهيد بل المولى عز وجل، وانظروا فيما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة).
• فنسأل الله تعالى أن يتغمد جميع اليمنيين الذين قضوا نحبهم في الأزمة -بصورة مباشرة أو غير مباشرة- برحمته الواسعة، وان يعصم على قلوب ذويهم، وان يفضح قاتليهم، وان كانوا قد ستروا عنا في الدنيا، فخذ للمقتول من القاتل في الآخرة يا قوي يا متين