لم يعد الفندم يحيى محمد عبدالله صالح ينوي خوض سباق الرئاسة بعد عامين، وربما بعد ولاية الرئيس التالي لهادي.. وبرر ذلك في تصريحات متداولة إعلامياً: “لا يوجد لديّ أي طموح.. بعد الذي حدث وبعد نكران الجميل، لا أحد عاقل يطمح في أن يحكم اليمن”.
بنظر الفندم يحيى فإن الذين سيحكمون اليمن، بعد عمه علي عبدالله صالح، ليسوا أكثر من مجانين، أما العقال فلن يكونوا مرشحين لرئاسة البلاد.. هكذا فهمت!
ذلك شأنه ورأيه على العموم، واتفق معه بتأويلي الخاص لجانب من تصريحه وليس في مجمله، ذلك أنها مغامرة تصل ربما حد الجنون، أن يقبل رئيس بالامساك بزمام الامور في البلاد خلفاً لعلي عبدالله صالح بكل تعقيدات حكمه، وأفاعيه التي رقص عليها، وقنابله التي شحنها لعقود وتوشك على الانفجار في وجه خلفه..
لكن كم هو مؤلم أن يُتهم شعب بنكران الجميل وهو الذي سَلّم بحكم أسرة وانفرادها بالسلطة والثروة لـ 34 عاماً، دون أن تحفظ الحد الأدنى من مصالح الشعب، الحاكم الفعلي.
كم هو ناكر للجميل هذا الشعب الذي لم يُسائل يوماً طيلة 33 عاماً أصغر مسؤول مقرب من أسرة الحكم عن املاكه واستثماراته وأرصدته وصلاحياته، ناهيك عن مساءلة العميد يحيى مثلاً، رغم أن هذا الشعب، يعرف في الأخبار الدولية، كأفقر شعوب الشرق الأوسط، حيث يعيش أغلبية سكانه على أقل من دولارين في اليوم.
كم هو ناكر للجميل هذا الشعب الذي لم يتساءل يوماً عن معايير تولي أحمد ويحيى وطارق وعمار وخالد وأقاربهم والمحسوبين عليهم المناصب القيادية العليا دون أن يعرف لهم سابق تدرج وظيفي في البلاد التي ترتفع فيها مؤشرات البطالة والأمية والبطالة والجوع، لدرجة جعلت من أطفال وشباب وشيوخ هذا الشعب - ناكر الجميل – أبرز المغامرين في العالم كونهم ظلوا صامتين على إهدار حقوق مواطنتهم وحياتهم وفضلوا الموت في الحدود بحثاً عن لقمة عيش في دول الجوار..
كم هو ناكر للجميل هذا الشعب الذي ظل صامتاً، يُمنّي نفسه لعقود بصحوة ضمير حاكميه ذات صباح ليبدأوا فعلاً في تلمس الاحتياجات الاساسية للمواطنين، بتوفير خدمات صحية وتعليمية بحدها الأدنى بما يحفظ إنسانيتهم، لكنهم يصدمون يومياً بأن الهوة تزداد اتساعاً بين أحلامهم البسيطة ومشاريع عملاقة لنخبهم الحاكمة.
كم هو ناكر للجميل هذا الشعب الذي صبر على حاكميه 33 عاماً، ليذكر لهم رئيسهم الجديد عشية انتخابه أن نصف أطفال اليمن يعانون من سوء التغذية، فيما يعاني ثلث الاطفال من سوء تغذية حاد، وأن الاستقرار المنشود لن يتحقق إذا كان هذا البلد يضم بين جنباته جائعين وخائفين ومرضى بدون أمل يمنحهم الطمأنينة.. في حين أن أطفال النخب الحاكمة تخصص برامج تغذيتهم قبل ولادتهم، وتعين مدارسهم وجامعاتهم الدولية وهم في سنوات الرضاعة، وتهيأ مواقعهم القيادية في فصول دراستهم الأولى... ومع ذلك يرى هذا الشعب أن ذلك حقهم، وأن معاناة أطفالهم ليست أكثر من «قضاء وقدر».
كم هو ناكر للجميل هذا الشعب الذي قبل التعايش مع ديمقراطية شكلية، كرست الاستبداد وحكم الفرد، وتغدو أكثر تخلفاً مع كل تجربة جديدة تعيد إنتاج ذات الهرم الحاكم وتزيد من هيمنته على مفاصل الحكم باسم الديمقراطية، وظل هذا الشعب يبرر لكل تلك المسرحيات الهزلية التي تحمل اسم انتخابات، بدعوى أنها لا تأتي دفعة، وأقنعوا أنفسهم بنظرية رئيس طالما كان يردد منتشياً بديمقراطيته التعيسة أن لا أسوأ منها إلا غيابها.. وهما سيان حقيقة بالنسبة للشعب.
كم هو ناكر ناكر للجميل هذا الشعب الذي قُتل بعض أبنائه براً وبحراً وجواً بسلطة حاكميه، لينتفض بعد عقود من حكم الفرد، واقطاعية الاسرة، وهو يهتف للسلمية التي لم يترب على قيمها، لكنه رضعها بكل أعماره دفعة واحدة، ليحافظ عليها سلاحاً وحيداً ومصدر قوة يواجه به الموت الذي تقدمه الأسرة الوفية كمكافأة نهاية خدمة يستحقها على أمل أن يفنى ناكر الجميل، وتبقى الأسرة وفية للشعب المقبور.
كم هو ناكر للجميل هذا الشعب الذي قبل معظمه بحل سلمي لقضيته، وجنبهم مصيراً مذلاً تجرعه كثير من نظرائهم، الأقل سوءاً ربما، هرباً وسجناً وقتلاً..
كم هو ناكر للجميل هذا الشعب الذي لا ينزع للانتقام لحظة قوة، وقبل التعايش معهم، و رضي بعضهم بتحصينهم من تبعات جرائم حكمهم، وآخرون ، وإن لم يقبلوا، مُسلّمون بذلك، وينتظرون عدالة قادمة كحلم ربما أكثر واقعية من أحلامهم في عهدهم سلفاً بديمقراطية وحقوق تحفظ لهم الكرامة والانسانية.
كم هو ناكر للجميل هذا الشعب المفرط في تسامحه، حين يتجاهل تصريحات كهذه تتهمه بنكران الجميل ثم لا ينتفض على قائليها.
كم هم ناكرون للجميل حقاً..
منقول