مثل فضيحة بعثة المراقبين العرب التي انتهت مؤخرا بطرد رئيسها، وإلغاء مهمتها، فإن إرسال قوات عربية لحفظ السلام سيواجَه بالإشكالات نفسها وسيفشل. قوات السلام الموالية للنظام السوري ستدافع عنه، والقوات التابعة لحكومات على خلاف مع النظام ستكون عرضة للقتل والابتزاز. والأرجح لن نرى جنديا واحدا ترسله حكومته إلى أرض القتل.
وبالتالي، لن نجد قوات عربية مستعدة للمشاركة، بل دولا موالية لنظام الأسد، فقط.
الجانب الروسي مستعد لإرسال قوات سلام إلى هناك، كما قال وزير خارجيته، إنما هل سيثق الشعب السوري ويسمح للقوات الروسية أن تدخل مدنه وأحياءه، وروسيا هي التي أعطت الضوء الأخضر لأعنف هجوم نفذته قوات الأسد على حمص وقتل فيه المئات، وبعد عشرة أيام تم هدم أحياء كاملة؟
والسؤال الثاني: هل توجد دولة عربية تقدر حقا على إرسال قوات سلام؟
قطعا لا. ومن الخطأ استذكار المشاركة العسكرية العربية في حماية المدنيين في حرب ليبيا؛ لأنها كانت صغيرة ورمزية سهلت إشراك قوات «الناتو» التي تولت معظم المهمة.
أيضا الوضع المضطرب عربيا يجعل من الصعوبة العثور على حكومات مستعدة لتلبية الدعوة؛ فمصر منشغلة في نفسها، حيث إن الجيش في وضع لا يسمح لفرد منه بترك تراب بلاده. والخليج لا يملك ما يكفي حاجته لمواجهة احتمالات أي حرب مع إيران. والأردن دولة بين سوريا وإسرائيل وتهديد الجماعات الداخلية. واليمن منشغل في ثورته، وكذلك ليبيا وتونس. ولا نتصور أن ترسل بلدان بعيدة جغرافياً - مثل المغاربية - قواتها من دون قدرات تمويلية ضخمة. ولا أعتقد أنه سيكون كافيا إرسال قوات دولة واحدة أو اثنتين في ظل الاتهامات والشكوك بالانحياز بين الحكومة والمعارضة.
وفي ظل العجز العسكري العربي تصبح الاستعانة بقوات من دول المنطقة تعني فقط تركيا. والمعضلة أن إدخال قوة تركية سيقابَل من النظام في دمشق بطلب إشراك قوات إيرانية، التي يعتبرها الشعب السوري شريكا في القتل، وإيران بالتأكيد طرف مرفوض في معادلة السلام المنشودة في هذا البلد الذي يحرق ويهدم على شعبه.
وهذا يدفعنا للسؤال: هل يعقل أن توافق دول الجامعة العربية على فكرة إرسال قوة سلام عربية إلى سوريا وهي مستحيلة التحقيق؟ في ظني أنهم جميعا يعون ذلك، لكن لا أدري ما الهدف من طرح الاقتراح! غير أنني واثق من أنه سيتسبب في منح النظام السوري المزيد من الوقت للمماطلة والقتل، كما جربنا في تجربة مهمة المراقبين العرب.
وحتى لو افترضنا أن جمعت الجامعة ما يكفي من قوات عربية لتولي مهمة السلام، فإن عملها على أرض المعركة سيكون أصعب مهمة في تاريخ الحروب.. ففي البوسنة كانت قوات السلام من حلف «الناتو» تعمل بغطاء دولي. أما في سوريا فلا أحد يريد إرسال قوات، ولا قرارات دولية تجيز معاقبة المخطئ، كما في حالة القوات النظامية التي تستهدف المدنيين علانية.