انتصار كبير للرئيس صالح على خصومه
عندما وقع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح على المبادرة الخليجية في الرياض، والتي تقضي بنقل سلمي وسلسل للسلطة، لم يدر المحتجون المخيمون في ساحة التغيير ما اذا كانوا يريدون الاحتفال بذلك او الانفجار غضبا، لذلك فعلوا الأمرين معا.
وبالطبع فإن هذا التناقض مفهوم، وينص الاتفاق على إنهاء رئاسة صالح رسميا، بيد انه يمنحه حصانة من المقاضاة والامر الاكثر اهمية ان اقرباءه لايزالون في السلطة، كما ان عائلته حرة تشارك في سياسة الدولة، والاهم من ذلك ان اقرباءه لايزالون يقودون الجيش والاجهزة الامنية.
ويتساءل كثيرون عما اذا حدث اي تغير في اليمن أصلا، وأصبح نائب الرئيس منصور هادي حسب الاتفاق هو الرئيس الفعلي الذي دعا الى انتخابات رئاسية مبكرة في الـ28 من فبراير ،2012 وأعلن تشكيل لجنة عسكرية تشرف على انسحاب الجيش من المدن، وايجاد حل للصراع اليمني المسلح، وإعادة تشكيل القوات المسلحة.
وجاء هذا الاعلان كي يمهد الطريق امام رئيس الوزراء من المعارضة محمد سالم باسندوة، لتشكيل حكومة جديدة مؤلفة من المعارضة وأعضاء حزب صالح الحاكم، مناصفة.
وستشرف هذه الحكومة الجديدة على الانتخابات الرئاسية بعد مرور عامين كمرحلة انتقالية، يتم خلالها تشكيل دستور جديد، وستكون هناك انتخابات برلمانية ورئاسية بعد تبني الدستور الجديد بعامين.
وعلى الرغم من انه يبدو من حيث الظاهر ان الربيع العربي أو الصحوة العربية قد اطاحت بزعيم عربي ثالث، الا ان تفاصيل الاتفاق تبدو أنها انتصار كبير لصالح.
لكن الاتفاقية الخليجية تنطوي على بعض نقاط الضعف لأسباب عدة، فهي صفقة بين حزب صالح الحاكم في اليمن، ومجموعة من الاحزاب المعارضة في اليمن المعروفة باسم حزب اللقاء المشترك. واستثني من الاتفاق المحتجون في الشوارع، والمتمردون الحوثيون الذين يسيطرون الان على معظم شمال اليمن، اضافة الى الحراك الجنوبي الذي يطالب بالانفصال وتشكيل دولة جديدة.
ويشترط الاتفاق أن هادي هو المرشح الوحيد المقبول للرئاسة في الانتخابات المقبلة، اي أن نائب صالح هو الذي سيشرف على كتابة الدستور الجديد كما انه سيشرف على الانتخابات الجديدة خلال عامين.
وتمنح الاتفاقية، التي تلغي الدستور اليمني ايضا، هادي الكلمة الفصل في اي نزاع بين الاطراف بشأن الاتفاقية (ولا ننسى أن هادي هو الذي كان في السلطة رسميا خلال فترة الصيف، عندما ظلت قبيلة صالح رافضة لأي جهود تقضي بتقليم اظافرها)، ويدعو الاتفاق الى انشاء لجنة عسكرية للإشراف على اعادة نشر الجيش، وإخراجه من المدن، وإقامة مؤتمر وطني بهدف الحوار السياسي، إذ من المفروض ان يكون الحوثيون والحراك الجنوبي ممثلين فيه.
ويشترط الاتفاق تشكيل لجنة دستورية لإعادة كتابة الدستور، ولكن جميع هذه الجهود المتعلقة بالمصالحة والاصلاح في اليمن ستتم ادارتها عن طريق حكومة يمتلك صالح فيها نفوذا قويا، في حين ان عائلته لاتزال متخندقة في مؤسسات أمنية وعسكرية اساسية.
وتشير الايام الاخيرة الى ان الاتفاقية الخليجية زادت من تعقيد المشكلات اليمنية، ولدى عودته من الرياض ونظرا الى استقالته فعليا من الرئاسة حسب الاتفاقية، أعلن صالح عفوا عن جميع الذين ارتكبوا اعمالا «قذرة» خلال الازمة الحالية، اي عن جلاوزته الذين قتلوا المحتجين المدنيين، كما استثنى من العفو المتهمين بالهجوم على المجمع الرئاسي في يونيو الماضي.
وقالت وكالة «سبا» للانباء ان صالح خول نائبه تعيين رئيس حكومة جديداً، وتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من انه لا يملك السلطة القضائية لفعل ذلك.
ويبدو ان صالح مرتبك بشأن من سيكون في السلطة، وربما انه أربك الاخرين ايضا، بينما يستمر سفك الدماء، فقد قتلت قوات موالية لصالح عشرات المدنيين في تعز. وفي الشمال وسع الحوثيين من دائرة سيطرتهم، وفي الجنوب قتلت «القاعدة» خمسة جنود في قاعدة عسكرية في زنجبار عاصمة اقليم ابين.
وأما بالنسبة للمحتجين في ساحة التحرير فإنهم يرفضون الاتفاق جملة وتفصيلا. و
هم يرون ان المعارضة التي وقعت على الاتفاق خانت الثورة وكانت ألعوبة بيد صالح، ولديهم حجة قوية اذ ان صالح لايزال باليمن في منصب رئيس الحزب الحاكم كما ان ابناء عائلته لايزالون في مناصب عسكرية وأمنية في الدولة ومن الممكن ان يرشح ابنه نفسه للرئاسة خلال الانتخابات المستقبلية. وحزبه الحاكم لايزال ممسكا بقوة على الحكومة الجديدة كما أن نائب الرئيس سيكون رئيسا لمدة عامين.
ولكن ما الذي سيحدث للمحتجين، الذين تعهدوا بمواصلة التظاهر في الشوارع؟ إنها مسألة في غاية الضبابية. وقال رئيس الحكومة الجديدة إنه يتفهم سبب غضبهم، ولا يعارض تظاهراتهم السلمية، ودعا صالح جميع المتظاهرين للتوقف عن ذلك، وقلة من اليمنيين خدعوا بما حدث، وفي اشارة الى مدى الشعور بالتشاؤم بدا اللاجئون الصوماليون في اليمن العودة إلى بلدهم بأعداد كبيرة، ربما إنهم يعرفون أمرا يجهله المجتمع الدولي.