"فنون الكذب"
ليس هناك فن من فنون الكذب يرقى إلى مستوى فن صناعة الإشاعات
وليس هناك كذابون أدهى وأمهر من ملفقيها
ولا سيما إذا كانت حبكتها محكمة ، قوية النسج تجعلها غير قابلة للاستنكار والإنكار
وصانعوا الإشاعات ،على العموم هم من أولئك الذين يستشعرون خطراً
ما من خصم ما فلا يستطيعون مواجهته إلا بإذاعة الأخبار التي تشوهه أو تحطمه
أما المروجون لتلك الأخبار فهم بين مستمتعين
باستهلاك الأحاديث ومتشفين ينتظرون وقوع المصيبة على رأس المستهدف بالإشاعة
وإذا كانت الإشاعات سلاحاً فتاكاً ضرورياً في صراعات الدول والشعوب
والجيوش لإحداث البلبلة وإلحاق الهزيمة النفسية بالخصم فإنها تعد من أقذر
الأساليب التي يلجأ إليها الضعفاء للنيل من أندادهم على مستوى العلاقات
الفردية إذ غالباً ما يشتم من الإشاعة رائحة العدوانية والبغضاء وعليه
فالإشاعة تطوي في دلالتها رمزية النار من حيث أن مروجها يريد
أن يحرق بها الآخرين ليرتقي بالأذى إلى السطح الذي يريد .
وغير خافٍ أن نسبة كبيرة من مروجي الإشاعات يعانون من عقد نفسية
تتصل في الغالب بالنرجسية التي تدفعهم إلى محاولة إزاحة منافسيهم أو تشويههم
فتصبح الإشاعة آلية من آليات الدفاع عن الذات المعطوبة
المضطربة الناقصة والإشاعة أخبار متدحرجة يضخمها التداول
وربما تكون في جذرها حقيقة يغيرها أحد محترفي الكذب بالقلب أو الإضافات السيئة
ولقد بات لزاماً على المرء ألا يشي بخبر سمعه ولا سيما في المناسبات
حتى لا يتهم بأنه هو مصدره مما قد يضعه أمام مساءلة ما
كثيرون كثيرون هم الذين يحرفون الكلام عن مواضعه ويحاولون التصيد به
ويقلبون التشبيه وسواه ويستثمرون ما ننطق به للنسج عليه
حتى بات المرء يؤثر أن يحادث نفسه على محادثة الآخرين بعد أن أصبح على كل لسان حارس
غير مؤتمن هو صانع الإشاعة .