يقول الإنجليز للشئي المعيب, حين لا يودون أن يطلع عليه الآخرين , Skeleton in the closet , أي سرك في بير, أو ( خلوها مستورة) حسب تعبيرنا. ما أكثر ما هو معيب في عالمنا العربي, و لكن ظل مستوراً بسبب عدم توفر الحرية و الشفافية.
و لكن سرعان ما بدأ, هذا المستور في الإنكشاف و التعري, بفعل التقنيات الحديثة, التي أتاحتها ثورة المعلومات و الإتصالات. لقد أصبحنا نسمع عن ويكيليكس و الجزيرة ليكس و غيرها من وسائل الكشف عن الوثائق السرية. و كلمة ويكي Wiki تعني سريع , بلغة أهل جزيرة هاواي . و تتمثل السرعة في, إنتشار الخبر في التو بفضل هذه التقنيات الحديثة.
إنه لشئي مهول, أن يسمع و يشاهد المرء, ما كان يدور خلف الأسوار و داخل الغرف المغلقة, من تآمر للحكام العرب, و العبث بمقدرات شعوبهم, بل إذلالها, و كأن سعادتهم لا تكتمل إلا بالتآمر علي هذه الشعوب و إذلالها. و إنه لشئي مؤسف, أن يكون بعض الحكام العرب , علي هذا النحو من السوء. و سوءهم يتمثل في عمالتهم للأجنبي, و رهن مقدرات الشعوب لهذا الأجنبي, و الفساد في الأرض و ظلم الناس. هذا في الوقت الذي ينسون فيه, أن هذه الشعوب, أو الرعايا حسب تعبيرهم و نظرتهم, ستثور يوماً و تهد عروشهم, مهما طال الزمن, و تجملت هذه الشعوب بالصبر.
لقد حدث تحول إجتماعي كبير, للمجتمعات العربية, في العقود الأخيرة, و من هذا ذوبان الطبقة الوسطي, و تراجعها إلي درجة أدني في السلم الإجتماعي, بسبب الفقر و الضغوط المعيشية. هذا التدمير الذي حدث, هو شئي مخطط , لإفراغ هذه الطبقة من محتواها, و إبطال مفعولها, كطبقة تقود التغيير, و تحمل بذور النهضة و الرقي و تحافظ علي التوازن الإجتماعي . لكن في مقابل هذا, نشأت طبقة أخري أكثر تأثيراً, هي طبقة ( جيل السايبر Cyber power ) . هؤلاء الذين يسمونهم المهترشين . ماهم بمهترشين, و لكنهم ممغوسين , بسبب ما يحدث من كبت للحريات و عبث و فساد للمال العام علي أيدي الذين أخذوا يتطاولون في البنيان و يستفزون الآخرين. هذا الجيل, هو الذي سيقود التغيير , عن طريق الفضاء المفتوح ( السايبر ) بدلاً عن المنشورات السرية التي كانت توزع عن طريق اليد.
هذا واقع فرض نفسه. و هو واقع لم يدركه هؤلاء الحكام الذين يقبعون في أبراجهم العاجية, و لم يأخذونه في حساباتهم , بل ظلوا باقين علي نهجهم القديم في حكم الرعية.
لم يجد ذلك الرئيس المخلوع ما يقوله, حين إدلهم الأمر, غير قوله : لقد ضللوني . و هذا يعني, أنه لم يكن يمشي بين الناس و يتفقد أحوالهم, و لم يكن مؤهلاً للحكم , بل كان قابعاً في قصره المنيف , و يقرأ تقاريراً ملفقة, تصور له الباطل حقاً,قائلين له كله تمام يا فندم Business as usual, و أن ما تم من إنجاز هو أكثر مما يستحقه الشعب, أو الرعية, و إن كان ما تم من إنجاز علي حاله , هو بمثابة حصاد الهشيم و شئي مكلف Pyrrhic victoryمقارنة بالفساد و الإستبداد و الجوع الذي يعاني منه الشعب. و ظل يعيش علي هذا الوهم, حتي جاءته الطامة , فلم يجد بداً من الهروب و ركوب التونسية.
إن التحولات في عالم اليوم تتري, بفعل ثورة المعلومات و الإتصالات, التي أفرزت واقعاً مغايراً, و من هذا ذوبان حدود الزمان و المكان. لقد أدي هذا الوضع الذي نشأ , إلي أن تتأثر المجتمعات و تتداعي بما يدور حولها من أحداث, تقع في مناطق أخري, فالكل في الهم سواء. ما لم تعمل النظم الحاكمة , علي تدارك أمرها, و تصلح حالها, فإن تيار التغيير الجارف , سيكتسحها, شاءت أم أبت.
يروي عن المرحوم الرئيس / إبراهيم عبود, أنه صعد إلي أعلي القصر الجمهوري, أيام أحداث أكتوبر1964م , و شاهد مئات المتظاهرين و هم يهتفون ضد النظام الحاكم. إنفعل الرجل لما رآه, و تساءل : معقول... كل هؤلاء الناس ضدي ؟. ما كان منه , إلا أن بادر بتسليم السلطة إلي الشعب , و حفظ ماء وجهه. تري هل يفعلها غيره ؟!
منقووووووووووووووووووول