ما الذي دهى السلطة اليوم فجعلها تصرخ بكل ما أوتيت من مسئولين وأجهزة إعلام فتقول بهلع وذعر واضحين: إن اليمن ليست تونس!
إنها السلطة نفسها التي ما فتئت تهددنا بالصوملة بين كل حين وآخر، وتهدد به كل من يتحدث عن الحرية أو يطالب بديمقراطية نزيهة.
لماذا تفضل السلطة لليمن الصوملة ولا تتمنى له (التونسة)؟ هل هي عقلية أنا ومن بعدي الطوفان؟ إذن من يريد أن يهدم المعبد على نفسه وعلى الآخرين؟
الفارق الكبير بين التونسة والصوملة، هو أن الأولى تمثل إرادة شعبية، تنشر الحياة، وتهفو للحرية، تدعو للبناء، وتؤسس للتطور والتنمية، تكسر القيود، وتهدم (الباستيل)، تحرر الثورة من الجهوية والأسرية، وتحمي الجمهورية من الفخ الذي يستهدفها لتحويلها إلى إمامة، كما تحرر الديمقراطية من الاستحواذ والاحتكار والتشويه.
إنها إرادة شعبية تمنح الوحدة ألقها، والمواطنة كرامتها، والوطن حريته وكينونته.
بينما الصوملة رغبة حكم وتسلط تريد أن تسخر الشعب والجيش والأمن، كما تسخر الثروة والوطن لخدمة هذه الرغبة الفردية التي ترى في نفسها أنها هي الوطن والجمهورية، وهي الثورة والوحدة، وهي الدستور والقانون.
إنه الاستبداد بأسوأ صورة وأوضحها! كما أنها رغبة متسلطة تريد الديمقراطية لعبة تحضرها متى شاءت ليتجمل بها الاستبداد وتقصيها متى أرادت، لأنها تريد ديمقراطية مدجنة، بالقوانين الزائفة والسجل الانتخابي المزور والإجراءات الشكلية، واللجنة العليا التي يشكلها لتكون شاهد زور مكمل لممارسة إجراءات التزوير النهائية في يوم يسمى زورا يوم الانتخابات.
ومع هذا لا يبالون أن ينادوا بكل جرأة: الحكم صناديق الانتخابات! أي انتخابات بالله عليكم مع ديمقراطية هذا شأنها؟
وفوق ذلك يريد الاستبداد أن يقنن ويشرعن لنفسه بإجراء تعديلات دستورية تلغي القواعد والضوابط الديمقراطية لصالح التأبيد ولعودة الإمامة على حساب النظام الجمهوري وعلى الجميع أن يخرجوا إلى المهرجانات التي تقيمها السلطة، وتهتف (بالروح بالدم..) ومن لم يرض بهذه التعديلات أو يعارضها- فقد عارض- بعرفهم- الوطن والدستور، لأن سلطة الفرد ترى أنها هي الوطن وهي الدستور، ومن يعارضها فسيواجه بالصوملة.
وهنا.. أليست التونسة هي الطريق الأسلم إذا لم تراجع السلطة حساباتها وتعود بصدق وجدية إلى طاولة الحوار.