(حروف حرة) للشيخ عبدالباسط مجلي كتبها في صحيفة الميزان بأمريكا
حروف حرة مبعثها الصدق وقوامها الوفاء ومنطلقها العزة ومبتغاها القمة السامقة وعدتها في الطريق ما اختزلته نفوسنا وعقولنا من ميراث الامة وتراثها العقيدي والحضاري والفكري والتربوي في مزيج متناغم ومتنوع من أنوار الحكمة الربانية وقبسات مضيئة من المشكاة المحمدية انارة لنا دروب الحياة فسرنا على بينة وهدى وكسرت من اعناقنا قيود الجاهلية فعشنا بعدها احرارا وأزاحت عن عقولنا غبار الهمجية فتفتقت فكراً وعلوماً وحكمة.
صفت بها نفوسنا بعد ان كانت ملوثة وزكت بها ارواحنا بعد ان كانت مدنسة وارتوت بها اجسادنا بعد ان كانت ضامئة واشرئبت بها اعناقنا بعد ان كانت ذليلة فكتب بحروف من نورعلى افق الزمان والمكان والانسان (كنتم خير امة اخرجت للناس)
حروف لم يصبها البلى رغم مرور آلاف السنين بل تزداد بهائاً وجمالا وجلالا. هي متجددة مع كل نسمة هواء عليل مع كل تغريدة بلبل صادح متجددة مع كل بزوغ فجر صادق متتجددة مع كل نبض قلب مؤمن متجددة ما بقية الحياة والاحياء اتدري لماذا؟ لان الحياة كل الحياة معلقة باستارها لتبقى حية.
الكل مستمد بقائه من الارض الا حروفنا فانها تستمد بقائها من السماء لانها جائت من هناك لم تُغَبَّرْ بتراب الارض ولم تدنس بوسخ الحياة ولم تختلط بشوائب الهوى ولم تعبث بها ايدي البشر وحروفنا تتحدى من سواها في كل ميدان والكون كله هو مظمار التحدي.
حروف لا تقيدها قيود ولا تحدها حدود ولا تمنعها سدود ولا تغريها وعود ولا يلويها صدود ولا يحزنها جحود ولا تقبل الركود.
حروفنا لها غاية واحدة وهدف واحد، وللوصول الى تلك الغاية وذلك الهدف لا تسلك الا طريق واحد معالمه واضحة وابعاده محددة فالغاية نصرة الحق والتمكين له والدفاع عنه والهدف مرضات رب العالمين والطريق هو الصراط المستقيم الذي امرنا باتباعه والسير فيه.
قد تعصف بحروفنا اعاصير شديدة ورياح عاتية لتبعثرها و تشتتها وتلويها عن التقدم والانتشار لكن ذلك يزيدها ثباتاً ورسوخاً وقوة وتصميماً لاننا قد علمنا منذ ان حملنا هذه الحروف ان الطريق لن يكون سهلاً للسالكين فيه بل تحفه الاخطار من المحن والشبهات والشهوات وستقف اجناد كثيرة لا حصر لها ولا عد وفي صور متعددة واساليب متنوعة للحيلولة دون وصول حروفنا إلى غايتها ومبتغاها
حروفنا ابوابها كثيرة وفنونها جميلة وإشراقاتها مبهرة وإبداعاتها متعددة ومساحاتها وآسعة ومقالاتها جريئة وأنغامها مطربة وتحليلاتها دقيقة وإسقاطاتها وآقعية ومصطلحاتها مهذبة وفقراتها منمقة وموآقفها متئنية وقراراتها مدروسة وأهدافها طموحة
حروفنا لهافي السياسة نصيب وفي الفكر باع وفي الادب سبق وفي الدعوة منبر وفي الاحدآث توآجد وفي الانشطة مشاركة وفي الشعر قريحة
وحروفنا أيها القارئ المحترم ومن خلال كل هذه الفنون ستسلك وتتبنا في خطابها منهج الوسطية والاعتدال والتوازن والمرونة وتتحلا بكل معاني المسؤولية والحصافة.
حروفنا ايها القارئ الكريم لاتحب المجاملة ولا التملق ولا ألإطرآء بل تطرب وترتآح إن سمعت قول صدق جرىء وصدْع مقال شجاع ونقد بناء.
حروفنا ليست سلعة تبآع ولا نعرظها للمزآد وليس لها في ميزآن الاثمان ثمن يستطيع بذله أحد فهى غالية وثقيلة لاتزنها الجبآل ولو تجلًّت على الجبال لصدًّعتها.
حروفنا عندما تتجمع وتتناسق تتحول إلى كلمات يتجلى الصدق فيها وحسن البيان ثم تتحول الكلمات إلى جُمَلاً وعبارات وسطور تختزل في ثناياها كل جماليات التعبير وكل الق المقال وكل زهو الإفصاح ولاتقبل إلى ان يكون الذهب هو مدآدها.
أخي القارىء الكريم أتدري لماذا نتباها بكلماتنا ونتحدا بها غيرنا ؟
لأننا قد إستنبطناها وإستخرجناها وإرتشفناها من مصدر يستحيل الشك في صحته وصدقه ونزاهته او تعرظه لأيدي العابثين فنالو منه بتشويه أو تحريف أوتغيير بل هو محفوظ ومحمي قد إكتملت فضائله وتمت مبادئه ورضيه للناس رب العالمين الحكيم الخبير العليم جل جلاله إنه كتاب الله جل وعلى ألذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومن قول المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم الذي لاينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يوحى الذي أفحم البلغاء وقهر الفصحاء وأوتي مجآمع الكلم .
وحروفنا من هذا المصدر الطاهر ليست للاستغلال الاعلامي اومادة للترف الفكري اومظمار للتنافس البلاغي بل إنها التي صاغت أفكارنا وأسست قناعاتناوهذبت توجهاتنا وجذرت مبادئنا فتحولت إلى شعلا في الحياة نحملها بأكفنا لنضيء بها دروب الحياة ولبنات نبني بها مداميك حضارة تنعم في ضلها البشرية جمعا.
أخي القرئ الكريم إن البشرية في عصرنا تإن وتصرخ وتنادي تبحث عن الخلاص والسعادة والأمان والسلام والحرية وليس لها إلى حروفنا مخلصا ومنقذا وملاذا.
أخي القارئ الكريم إن حروفنا وإن سطرناها في صفحات من ورق أوعلى شاشاة الكمبيوتر إلى انها تنبع من قلوبنا المتحرقة ونفوسنا المحبة وضمائرنا أليقظة لانبتغي إلى مرضاة ألله سبحانه بقول كلمة حق والصدع بالمعروف لانبتغي شهرة ولا حسن احدوثة ولا إطراء من أحد.
أخي القارئ الكريم ما يكتب كثير وما يعرض في الشاشات كثير ولاكن عليك أن تتخير ما تقرأ ولمن تقرأ وماذا تتصفح عقلك أثمن ما معك وبه كرمك الله على سائر المخلوقات فلا تحشوه إلى بالنافع المفيد والممتع.
و حروفنا تحترم العقل ولا تقدم له إلا ما يفيده وينفعه ويرتقي به إلى مرتقا الكمال العقلي وذلك من خلال الادبيات والابجديات المعرفية والتربوية والفكرية التي نقدمها له على اطباق الحكمة وفي موآئد المتعة الذهنية الاصيلة التي يطرب بها القلب والعقل والنفس جنباً إلى جنب في حشدٍ متناغم ومتجانس ومتوازن من المعاني العلية والعلوم الندية والمعارف البهية.
ونحن إن كتبنا نعدك أن لا نكتب إلى خيرا ومفيدا ونافعا نكتب ما يجمع ولايفرق ويبني ولا يهدم ويصلح ولايفسد وينفع ولايضرويمتع ولا يمل نتجنب الثرثرة والتكلف في المقال وإستخدام الالفاظ السقيمة والهشة وكل مالايبنا عليه علمٌ نافعٌ او عملٌ صالحٌ اوخيرٌمجلوبٌ أوشرٌ مدفوع.
وفقنا الله لما يحبه ويرضاه من الاقوال والافعال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.