صلاح الدين فوق كرسي الاعتراف

ضاق بي المقهى وجلوسي على مقربة من كل هذه الكروش المتخمة بقوت الوطن والجيوب التي اختبئت فيها ثروات ملايين البشر الجوعى الذين يتسولون العالم رغيف خبز ونسيم حرية وبعض مواطنة متساوية وكريمة .. وانتبهت الى ان ابا وضحة الذي يَمْثل امامي صار متعباً وخائفاً وحائراً كيف انه قد غادر البرائة واللعب مع الأصحاب وتبذير مصروف الجيب الذي يغترفه من جيب الأب الكريم ليبدده على بعض نزواته الخطرة انتبهت اليه وهو يشعر بمزيج من حالة فقدان الوزن الأجتماعي وهو على مقربة من كبار القوم وامامه تمر الجماهير غاضبة تعبر عن ثورتها بترديد شعارات لا يفهم فيها وليست من بين همومه فلا شيء ينقصه وكل اموره تمام التمام .. واكثر من التمام ..
نظر اليَّ في تردد ثم حزم امره وقال : اقول يا عمي الحاج ..
قلت له قل ..
قال: ترى انا ويش لي بهذه القعده وايش لي بسؤالاتك الغريبة .. ترى انا مو فاهم حاجه من كل هذه الدوشه ووجع الراس .. انا بحراني بس انا ايش يقع لي بحكاية هذا البصير .. لا يعرفني ولا اعرفه .. يمكن يكون ابو وضحة شخص ثاني مو انا .. ياحاج شوفني تاعب قوي واابي اروِّح البيت انا ميِّت جوع الله يستر عليك وعلى صاحبك البصير ..
قلت له جوب على الأسئلة التي امامك وروح في حالك مشكور ومعزز ومكرم ..
تعرف ولد صياد ؟ قال لي: لا
طيب تعرف ابو عبدالناصر (ابوتريكه) قال لي انه اتصل بك اليوم الأول ؟ - لا لا انا لا اعرف بصير ولا بوتريكه ولا حد اتصل بي ماليش في السياسة ولا في كل هذه الدوشه
سبحان الله ربما يكون الأمر اختلط عليَّ ويخلق من الشبه اربعين ومن الأسماء المتشابهه الكثير ، لكن لتستمر اللعبة حتى يرضى عني الشرطي الفخور بموقفي ولا بد من حيلة للخروج من وسط هذه المعمعة .. طلبت من صاحبي بعض الصبر وضبط النفس وعدت الى مسرح الأحداث اقلبها والزعماء يجلسون الى هواياتهم التي اتسع لها هذا الشارع والمقهى ولا زال القذافي ينفخ السيجار الكوبي ويشرب القهوة التركية ويتحدث الى الجالس قبالته مستعرضا ثقافته الثورية في صمت محدثه وامتعاضه من هذا التناقض بين قيم الثورة والقبول بالمشاركة في قمة توشك ان تقدم كل شيء للعدو في مقابل لا شيء غير هيابة بغضب الجماهير التي لم تتوقف عن الزحف التاريخي والجغرافي من المنبع الى المصّب ومن البحر الى النهر ..
صعق الزعماء حين بلغهم عبر الهاتف مع بوش الصغير ان الطائرة التي تقل المقبوض عليهم قد تم اختطافها وقد غيرت مسارها الجوي وعادت ادراجها لتعبر سماء البحرين وتمضي فوق المملكة في اتجاه الجبال وان تحذيراً تلقوه من غرفة القيادة ان الطائرة وطاقمها في خطر عظيم في حال اعترضتها طائرات حربية او لحقت بها .. وشكلت لجنه امنية لتقصي الحقائق ومتابعة آخر الأخبار فالطائرة تحمل فيها اكثر قوى المعارضة للنظام العربي ممثلاً بهؤلاء القادة الذين لا يألون جهداَ في الدفاع عن قضايا الأمة وطرحها على مجلس الأمن ومفاوضة العدو وتقديم كل التنازلات من اجل امن وسلامة واستقرار الأوضاع واستتباب الأمور ومعالجة اطماع الصهاينة بالدبلوماسية والاستعانة بالغرب والأصدقاء لاقناعهم بالبقاء في الحدود التي وصلوا اليها وعدم احراجهم مع شعوبهم اكثر بمواصلة الزحف الرأسي والأفقي ..
ولا زال الضيوف عازفين عن التقدم باتجاه المقهى المحاط بثكنات عسكرية مدربه ومستعده للقضاء على اي محاولة لتعكير صفو القمة المنتظرة بين زعماء العرب وزعماء الكيان الصهيوني مباشرة وبوساطة امريكية ضمن فيها بوش بكف اذى اسرائيل عن حدودهم وتكوين شرطة مشتركة من الكيان الصهيوني ودول الطوق ومعهم عصابات الهاجانا وكل الجماعات التلمودية المتشدده تتولى حماية الحدود من قوى القاعدة والارهابيين والمعارضين والقوميين الذين لا يعترفون بالحدود التي تقطع مفاصل وطنهم الكبير والذين يضلون يجوبون صحاري العرب وينتهكون قواعد النظام الدولي في احترام التراب الوطني لكل دولة
قال بوش ان القمة لن تعقد طالما ان هناك مسيرات جماهيرية تتحرك في المحيط وتأتي بهذه الأعداد المخيفة ويتسلل اليها شخوص عليهم دوائر سوداء ومطلوبين تاريخيا الى محكمة العدل الدوليه .. وطلب من الحكام ان يعطوا اوامرهم باستخدام الأسلحة المطاطية والأسلحة النارية ولا بأس ان استخدمت الطائرات الأباتشي لتقذف الموت على الجماهير لتفريقهم وافشال مخططهم في افشال القمة وتشكيل خطورة على سير المفاوضات في مراحلها النهائية على مشارف عالم شرق اوسطي يكون فيه الأقوياء هم قادته وهم من يتحكمون في مصائره ومستقبله ..
انتهزت اول سانحة في هذه الفوضى الرسمية التي تلقت خبر الطائرة ووشوك فلات قادة المعارضة من قبضتهم بعد هبوط الطائرة في منطقة نائية من اليمن على وادي شاسع الاتساع في سفح جبل ..
زائد هذه التعليمات بقذف الموت من الأرض والجو على سيول المحتشدين والمسيرات التي لا تتوقف وتسللت وصاحبي من باب الكابوس الخلفي للمقهى يقوم عليه رجال شرطه اشاوس لا ينامون ولا تكف عيونهم الساهرة على حماية الوطن عن التدقيق في الشارد والوارد .. شددت قبضتي على الفتى فارتسم على وجهه الألم .. غمزني الشرطي وهو ينفث من بين شفتيه دخان سيجاره (كينت) ويقول في فحيح الحيات .. خطير .. اليس كذلك ؟ اشرت له برأسي ، اي نعم .. واضاف : من اي الجماعات ، حزب الله او حمساوي ؟ قلت له قاعدي .
رمى سيجارته ومسك بتلابيب الولد وسدد الى وجهه لطمة مسكتها قبل نفوذها وقلت له ان لديه معلومات ووعد بتقديمها فلا يتعجل ولا يتسبب في افشال سير التحقيق ..
اعوذ بالله شيله من امامي .. واخفى وجهه تحت غطاء وجه تستخدمه الشرطة السرية والأنتربول الدولي لتحاشي التعرف على هوياتهم وملاحقتهم من قبل الذين تسببوا في بعض الأذى لهم ..
غادرت الكابوس وصاحبي واستيقضت على مسافة عُقد بحرية كافية لحساب مسافة تفصل بين جرحين .. ووجدتني اصعد نحو الفضية مع بعض الفضوليين الذين كانوا يسرعون الخطى ليشاهدوا الطائرة التي قيل انها سقطت على هضبة الفضية السيارات تمر مسرعة وعليها رجال واطفال يشاكس بعضهم بعضاً وعقبة الفضية حين تمرق من لبة من اول الجذع تمر ببعض الشبيبة يجلسون في جروف ضليلة يتكئون على حجار ويفترشون التراب وصخر الجبل ويأكلون القات وينظرون الى عابري السبيل على متن سيارات ضخمة حاملة للبضائع وناقلات نفط وسيارات ركاب وباصات يبصقون مخلفاتهم في قصاع فول وفواكه معلبه ويشربون شملان وآزال وريد بول ويمضغون القات ويسرحون ببنات افكارهم يقلبون العالم ويشكلونه بألوان امتزجت مع طبيعة القات ومكوناته الكيماوية والوراثية وطبيعة الأرض التي قطف منها والماء الذي شربه
صعدنا الفضية نمشي وصحبة السير يسترقون النظر بين الفينة والفينة ناحيتي يشكون في شأني وفضولي في ارسال النظرات نحو الجروف خيل لهم اني اتخيل نفسي في جبال تورا بورا وان هذه اللمحات تسجل فيلما تفصيليا للمحاربين المتمترسين في جروف ما ارتفع من الجبال على سهل وادي لبة ..
كيف سقطت هذه الطيارة في هذه الوادي من قمة هذه الهضبة ولما لم تتناثر اجزائها في البراري .. هاهي سليمة ولا يبدو عليها اي عطل او حتى نزول اضطراري .. والركاب تستطيع ان تشاهد وجيههم المندهشه خلف النوافذ الصغيرة لقاعة الطائرة الفسيحة ..
كثر الناس وانتشر الأمن يمنع وصول الجماهير الى الطيارة .. وفي محيط الكابوس كنت اسرح ببصري وافتل شاربي والهو بنظرات عابرة في حيثيات سفر الخلاص ووجدتني فجأة غير قادر على حراك اطرافي .. كأنها كانت مكبلة بقيود تمنع حركتها .. سرحت ببصري الى مصنع المشاهد في قلب الكابوس لابحث فيه عن سر هذه القيود فوجدت ان عيوني قد عصبت برباط اسود يمنع رؤية المشهد ويستر معطيات الصور المتتالية في قمة المشهد .. يا الهي تولني بعنايتك واحمني بلطفك من وطأة ليل الرَّازم الطويل ومتعني بسمعي وبصري وقوتي ما احييتني ولا تجعل لهذا الليل سبيلا الى قلبي ..
وفي سيارة عسكرية رفعت العصابة عن نظري ووجدتني محاط بوحدة عسكرية قوامها ضابطين ومجموعة من العسكر أبو حسام يصدر اوامره للعسكر بالتنبه واليقضه والحذر وابو وضحه يتمم لأوامر الضابط البصير ويؤكدها للعسكر والسيارة تنهب الأرض على مقربة من الطيارة في اتجاه خيمة في معسكر الفضية وهناك انزلني العسكر وابو حسام يمسك بيميني وابو وضحه يمسك بشمالي وادخلت الخيمة واجلست على كرسي ولدهشتي كان كلبي الكابوس يجلسا عن يمين وشمال السيدة العجوز وفميهما مفتوحين والأسنان المخيفة تلمع في نور فانوس كيروسوني وضع امام بصري .. وحين اجلست على كرسي ابو حسام حاولا التَّفلت والأنقضاض عليَّ وهما ينبحا بصوت ذئبي مخيف ..

ولا زال للحديث بقية ..