بقلم زيد عبد الباري سفيان | 8/9/2010
نقلا عن البديل / يمن تودي / صحافة نت / البيضاء بورتال .
دموع قانية يرسلها الشهيد
يلملم ذاته المنكسرة وينزوي في ركن قصي بعيدا عن وخز العيون الشامتة .وفي زحمة الموت تتيه منه بعض حروفه .. أشيائه .. مبررات بقائه البحث عنها يكلفه كثيرا ليس أقل من حياته
لكن ولماذا هذا الجهد والعناء وهل لا زال الأمر يستحق عناء الجهد والتعب ؟
تهب رياح هوجاء من الأسئلة تحتسي شعاع الضوء الباقي في أعماقه
تحوم جوارح اليأس وتتحلق فوق رأسه تعبث باأحلامه الباقيه تبعثرها جروح على نواحي جسده وتغرزها سهاما في أعماق كينونته
يحاصره طيف ذكرى تلقي به في بحيرة من الحزن ليس لها قرار
ما ينفك يتشبث باآمال مهترئة ما عادت تنفع لترقيع جدار القلب الممزق
وهذا القلب الأعزل صار مرمى لرماح الليل تتوزعه الليالي الكالحات جروحا وطعنات
تتوارد إلى ذهنه أسئلة بلهاء
سيوف من هذه ورماح من ؟
من هذا الذي يطوف كل الدروب ويشعل ناره كل القلوب ؟
من هذا الذي يعبث باالمسار ؟
ويبتلع عمر اليمن ؟
لعلها سيوف التلوث البشري
سيوف ابن أبيه
سيوف ابن أبيه تدفن الحلم والكرامة في الرغام وتصلي البطولات بنار جذلى
يتمادى في الأذى حتى تزدحم الأحزان وتفيض الدموع لتغرق العيون والأوطان
مفردات تضل تمتطي صهوة السرد وتستولي فضاءات البوح
وما غيرها مفردات ممجوجة لا تستسيغها الذاكرة
الشهيد ، الثاني عشر من أكتوبر ، الخامس عشر من أكتوبر ، الرصاص ، الجنبية ، تكسير السيقان ، دفن الأحياء ، بيت الغشمي
كل مفردات لغته مشنوقة في قصر الغدر ومملكة السلطان
الخناجر مغروسة في كل حرف من لغته ولغته مغموسة في بحر من الدماءوحياته لم تعد تعني له شيئا وبما أنها ليست ملكه وفقا لصيرورة الأشياء
فقد صار الركون على الفراغ أقرب الأشياء إلى التحقق
كيف له أن يجمع هذا الشتات .. وأنى له أن يحيي هذا الموات وكل الدفاتر وماتبقى لديه من يراع واجمة كاالقبور
كيف له أن يقتنص لحظة الصبح الشارد وهو يسرح في متاهات الأفق الواسع وفضاءات الحلم الشاسعة
وهذا التشظي وهذه الضدية التي تغلف الأشياء ، حتى الدموع .. وحتى الدماء .. والذين يتضورون جوعا .. وأشلاء أجساد المتعبين
وهذا الذي ينيخ الرحل ويلوك الزمن المنسي وطنا للعهر
وهذا الذي يجتر داحس والغبراء ويفسح مرابط خيل الفرسان للبسوس بعد أن دفن الفرسان وهم يسرجون الخيل لملاقات الليل ومعانقة الصباح
وهذا الذي يترك نصيبه في الحياة ويغادر دنيا الناس يتيه في صحراء الجحود
صار لها طعم يشبه طعم سياط جلاد محترف
أو ربما آلام مخاض معسرة أو ربما أمتع وأهنأ من ذلك بكثير
يستحضره حصار قريش لأهاليهم من هاشم في شعب أبو طالب
أو قول من قال
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند
وفي كل مرة لم يغب هاشم عن مفردات الألم النازف والوجع المتشظي من أزمنة الردة فقد كان حاضرا يقتاد إبنه ليسكب دمه فوق دم الشهيد
زيد الكبسي توسد أوجاع الوطن واحتضن الحلم ونام بقرب الشهيد نجمة صبح هوت إلى أحضان النسيان تزاحمت الدموع وتراكمت غيوم الموت
لك كل العذر أيها الشاكي فقد وضع الشئ في غير موضعه مجاوزة للحد وانهارت سيدة الجمال وهوت في هوة سحيقة
ولا زال الليل يرخي سدوله وشجون ماضي وذكرياته تتكوم بحنايا صدره استرجعت من قبضة قراصنة الحلم في لحظات غفلة العابثين والمتربصين
صور تترى ولوحات تستوعب جدار العار رسمتها مخالب الذئاب على حائط الزمن تتراءا بين ناظريه تأبى أن تمحي تغمس روحه وعقله في بحيرة الحزن اللجاج
تتقافز إلى ذهنه سهام من الأسئلة فكأنها في سباق لمن ستسكن في سويداء قلبه وشغاف فؤاده
هل أتى على الإنسان حين من الدهر دفن حياً
هل توأد الأخلاق ؟ أوهل توأد الطهارة ؟
الخنق والموت هذا دأبهم .
لا يهم . لكن والأمر كذلك فلماذا تكسر سيقان قناف زهرة ؟ ولماذا تدفن الحياة ؟
الحياة تعني جرحا نازفا والموت أن يلتئم الجرح ويتوقف النزيف ويبرأ الألم
والحياة بهذا المعنى صارت بحجم من رحلوا
الحمدي ، عيسى ، السقاف ، مقبل ، الحجاجي ، قناف .. الخ .....
تعكسها مرايا مكسرة ، وتعكس معها كل شئ
الشعارات .. الأقلام .. الصحائف ..الجسد المتعب والذاكرة المنهكة
تتراءا بها جمر الإنحدار إلى وحل الخطيئة حينما تلتقط الأنفاس المتهدجة وتسكب في شبق الموت الإرادي الموصومة باالعذابات المحببة
تلوكه الذكريات وصور صبايا تعبث ببقايا قلب يغالبه الهوىثم راح الخيال يغير إتجاه سيره ويقحمه في معاقرة خمرة معتقة من الدموع القانية
هل هذا قدري ؟
أنت تسكر وتقدح النشوة من حدبة الزمن الأعمى وأنا وحدي أسكر وأشقى !!
أنا وحدي أسكر باالعذاب
خمري يعمق جرحي
أنا وأنت نركب أرجوحة الزمن الظالم
اليوم عند أمرئ القيس خمر وغدا أمر وأنا يبدأ أمري وحزني وصحوي قبل خمري ويومي وسكري
هل عذابي وحبي عصي على النسيان ؟
هل وجعي لايبارح الذاكرة ؟
هل دموعي نوع آخر لا يموت ولا يبلى ؟
هل أنا إستثناء ؟
هل أنا عصارة الألم الأزلي ؟
هل أفلت ضحكة القمر وهل غابت شمس العرب ؟
هل هذا الوجع الجاثم في قلبي يتكئ على عامود الحقيقة أم أنه من صنع الذاكرة ؟
هل أبدد عمري في وهم الحزن الخرافي ؟
هل دموعي وأوجاعي ستموت معي أم ستظل الدمعة تفيض في الأحداق؟
وتحرق كفني ونعشي وقبري ؟
لايهم ياهذا بماذا سكرت وبأي الصبايا إنتشيت
كانت عشيقاتك بحجم الأفق وإمتداد الرياح
كان بن أبيه بصقة قذفها الزمن على وجه أجمل حبيباتك
صار ملتصقا بها كاالجرب المزمن
إغتصبها بعد ذبح فارسها
شرفها في كل يوم ينزف وعرضها في العراء يسيح
حول وجهها العريض المدور الذي نسخ على شاكلة القمر إلى أخاديد ونتوءات لكثرة ما سرح ومرح على جسدها
هدر كرامة النجوم وأهدر أنداء الصباح وانتزع أحلام عيبان وغيمان ولجم صهيل الجياد
الأخرى هناك يحتضنها البحر تغسل فيه عارها وشرفها المغتصب وتسافر عينيها في الأفق تنتظر عودة الحبيب
بدأت مأساتها حينما وجدت نفسها في الرصيف تقف مشدوهة لهول هذه العمارات التي تقبل السماء هي تصفها كاالقبح الذي يطعن السماء
منبهرة لملامح الملاك الجدد لشوارعها وشواطئها وتجارتها وهي تبحث عن رزمة من الخبز
تتسول كسرة خبز ممن سرق قوتها وقوتها وفي كل يوم تباع لمالك جديد
صارت تقتات بدمها ودموعها وفي الليل تخرش الذئاب جسدها
وحبيبة قلبك في الشوارع الخربة تهذي وتهيم حافية ويتناوبها عساكر الفحش المقدس يتخطفها شياطين الليل لتتكرر مأساتها حينما فض بن أبيه بكارتها ومزق غشاءها ولماتزل صبية قاصرة
والآن أبنائها أصبحوا سلعة رخيصة بيد السماسرة وتجار البشر تارة يزينون بهم مجالس حكمهم ودور صحافتهم وثقافتهم
وتارة يلمعون أحذية بن أبيه بل وحتى عبيده
البعض دورهم أن يسكتوا والبعض أن يصوتوا والبعض الآخر أن يثرثروا ويبدو أنه قد مل هذا الخنوع وهذا الخضوع وطول السجود وأراد تغيير إحدى مشاهد المسرحية
وفي مرابظ الفرسان تتهيأ الخيالة لإختطاف غانية أخرى من فراش الفحش القسري بعد أن كانت ضالعة في إشعال شعلتين صار يضعها بن أبيه كعبا على حذائه ويفحص بها زهور الصباح
هي إحدى جديلتين للغانية هي حي على الفلاح هي حي على خير العمل
الأولى إجتزها والثانية يشد بها وثاق الزمن
والأخرى وفي مكان قصي تتهيأ بصمت للصلاة خلف إمامها الهادي وفجأة يطبق عليها كفوف الشياطين يغيضه تمنعها وإبائها فيعصر ثدييها ويبقر بطنها ليجهض حملها ويلقمنا غصة كربلا ويعيد قتل الحسين
هو يهنأ بطمس أحلامها وقضمه بأسنانه لكنها الوحيدة تخطف صفعة أفلتت من فرج القدر لترسلها إلى وجهه
وحولها تتحلق أفواه الكراهية تقدح بألسنتها شرا مستطير
أما صاحبنا يفترش الأوجاع ويتوزع على الهم الكبير يطلق روحة رسالة مخمضة بتربة الوطن المعجون بدم الشهيد ممهورة بدموع وجوع وأنين صباحاتنا الذاوية وورودنا الذابلة رسالة تجول في الضمير وتحلق في فضاءات البحث والتقصي الفزع والقلق تضل تلح في السؤال عن ماهية المصير وأين يسكن الجزء المسروق من الوطن ؟
وسيدوم به الحال على هذه الشاكلة ليقتنص كتابة بلغة الدم ، يسمونها مجازا لغة الثورة لها وهج النار تلفح وجوه من نكصوا على أدبارهم ونكثوا العهد
تتناهى إلى سمعه أصوات قد تجاهلها من كان قبله فلقي حتفه
لا لن تنطلي عليه هذه المرة
المؤمن لايلدغ من جحر مرتين
لن يتورط في رعشة الحرف وبكاء الكلمة
لن ينساق إلى كمين الحرف وشرك الكتابة
لن ينزف مشاعره على الورق
إن آجلا أو عاجلا سيبكيك الشهيد وستنفض حبيبتك يديها من آثارك وستغسل جسدها من عوارك
الكتابة ستسكن آلامك وستلزمك التعايش مع من ظلمك
ستتصالح مع الواقع ومع ابن أبيه وستستمرئ ظلمه وتستطيب الخنوع له
لا . لا تتورط فيها ذلك يفرغ ذاتك من محتواها
يعتلي قمة فؤاده وينادي باأعلى صوته ويسافر الصوت في الفيافي والقفار ولايتوقف إلا برجع الصدى
ياربة الإلهام إكتبيني سردا وإيحاء باأكفان من عبروا وخاضوا غمار الموت وما وجلوا
قتلوا القاتل بدمائهم وخلدوه لعنة يتمتم بها عيبان ويهمس بها غيمان في أذان الخيول القادمة
كانت عابرة فيستوقفها سبية .. صارت ملك يمينه .. يفكك ضفائرها ويكشف أسرارها ويستولي على الجسد المسجى بين ذراعيه ويترك الكتابة تروح وتأتي وهو لايزال يرتشف زهرة الشوق ورعشة العناق
يتنقل بين فخذيها وخدودها يحتسي رضاب الشفاة ويستقر به المقام في قمة النهدين هناك ينيخ حمله ويلقي متاعه وإلى اللحظة لازال هناك .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]