ذات ليل عربي ممهور بالدم والبكاء والحزن يغادر أرض اليمن فقد كان الإبتعاد أسلم طريقة كان ذلك على وجه التحديد في منتصف الثمانينات
على أن ميلاده كان متزامناً مع إنتكاسة سبعة وستين وتراجع الثورة اليمنية بعد حركة خمسة نوفمبر سبعة وستين
وكأن ميلاده رجع صدى إيجابي ذلك أن الخير يأتي من قلب الشر.
فاالزمن هزائم وردة ونكوص لهذا لاغرابة إن وجدنا الرجل تغلب عليه مشاعر الغضب والسخط على الواقع والخروج عليه
فهو ككل الناس خلق من طين لكنه طين معجون بالتمرد والوجع والثورة وكل مشاعر الرفض والنقمة على واقع أصبح الإنسان فيه مقيدا باالذل والشقاء وصار الموت هو السيد ... أرتوت بلاده بدماء الأبطال والشرفاء. والنار تضرم في كل الحقول
لكن في المقابل فاأزمنة الردة والظلام تقع في أسواء أخطائها حينما سمحت ببزوغ عمر الضبياني نجمة صبح لمعت في سماء العرب تبشر بمقدم الغد العربي الأخضر
الكتابة عنده محراثا عربيا أصيلا يخصب الأرض ويبذر الثورة والتنوير ويعجن تربة الوطن بدم الشهيد فتنبت زروعاً يانعة من الوعي والإرادة نحو التحول والتغيير.. بل يتجاوز كل هذا ليغرس نفسه أشجاراً باسقة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويتضح ذلك جلياً من خلال إقتحامه وتحريضه للأخرين على العبور إلى المناطق المحظورة والحقول المحرمة فيزيل عنها هواجس الخوف والوحشة لتصبح مناطق مأهولة وآمنة .. مسكونة بالنخيل والسواعد الفتية والإرادة والأمل
سمعت عنه قبل أن أراه وهو يغزل خيوط الشمس لترسل الضوء قبسا من وحي أزمنة الفجر
واحد من النوارس التي ركبت البحر بعد أن ضاق الوطن باأبنائه فراح يحيل هموم الحياة ووجع الناس إلى وهج حرف وألق كلمة وعنفوان ثورة
يضل يطرق الأبواب ويلح على ساكنيها باالخروج من صمتهم فينطقهم شعراً وأدباً وثورة
عمر الضبياني يشكل ظاهرة ثقافية كبرى تؤسس لتيار فكري ثقافي عام يغرس جذوره في تربة الوطن العربي لتمتد أوراقه الوارفة لتظلل بقاع متعددة إستوطنتها نوارس المهجر التي يغالبها الحنين إلى المرسى
هو وبصدق غير مفتعل وبكلمة لا يجانبها الصواب ولا يكتنفها المبالغة مؤسس لتيار ثقافي إتخذ من الكتابة والشعر والأدب مسلكا ومنطلقا لتكوين رأي سياسي مؤهلا ليصبح عن جدارة رديفا لحركة سياسية مقاومة لحالة التردي والإنهزام
تردي الوضع العام. وإنهزام قوى التغيير
عمر الضبياني يسكب عمره ودهره زيتا لإنارة درب العابرين يقتطع الجزء الأكبر من قوته وقوت أولاده ليروي بها ظمأ العابرين ويسد بها رمق الكثير ممن تقطعت بهم السبل وازدحمت بهم ساحات العاصبين حجارا على بطونهم
هو إرخبيل تطرزه واحات ثقافة وتمرد وثورة ومحراب إيمان يعطي للثورة طمأنينة التوجه وبصيرة النفاذ إلى عمق المسلك واستشفاف صوابية المسار
وقبل هذا وكله فهو إنسانا إذا ما عنينا إنسانا يكبر فوق الجراحات ويتسامى فوق الخلافات وصغائر الأمور ليصير بحجم الوطن وإمتداد رياح الأمل ومدى البصر وسعة الأفق وفضاءات الحلم
لا يتوانى عن صهر الذات في بوتقة الجماعة إذا ما لمس أو رأى بوصلة الثورة والوطن تشير إلى مكامن الخلل ومواطن الوجع وتخط للثوار منبع ومجرى نهر الأمل
الحديث عن الرجل ومحاولة الإيفاء بحقه هو عمل عبثي لن تطوله الشفاه ولن تدركه الأهداف أو تحيطه الكلمات
ويستحضرني مشهد المسحراتي وهو يمر على الأحياء ومعه الفوانيس يوقض الناس ويغريهم على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ويثير فيهم عواطف الخير ويحرك فيهم غرائز الإيمان
وهذا مايفعله الضبياني حينما يلمس أن أشخاصا قد خفت نشاطهم وتوارت مواقفهم أو ركنوا إلى الركود والخمول والتكاسل فيلملم التائهين ويسكنهم قلاع المواجهة والواجب ويذكي فيهم روح الإبداع إنتصارا لقيم الحق والعدل والحرية
يركب براق الأثير ليسافر إلى أزمنة الفجر العربي يحضر لنا زاد الثائرين
إكليلاً من زهور النصر وغاراً من فلسفة العبور الصعب ومصابيح من مكرمات الثورة
هذا تارة وتارة أخرى يكون السفر إلى المستقبل ليس بدافع الهروب بل سفر المستكشفين لتلمس الطريق وتسهيل العبور وإحضار ما يغري الناس باالسفر إليه وباأحقيته باالتضحية عن ماسواه
لا تعرف المهادنة ولا المساومة إليه طريقا
لايضعف أمام مغريات الحياة ودنيا الناس وعرضها اليسير في الوقت الذي يزحف إليها الأخرون على بطونهم .
http://www.alwahdawi.net/articles.php?lng=arabic&id=264