الذكرى السادسة لإستشهاد المُعلم الياسين
إنه الياسين رجل بأمة، فكيف استطاع هذا المقعد أن يحرك في نفوس الملايين حب الجهاد والاستشهاد، كيف استطاع أن يحلق بقضية فلسطين عاليا، وكيف استطاع من على كرسيه أن يحرك الاستشهاديين ليدكوا عروش بني صهيون؟!
قبل ست سنوات من الآن، أصدرت حكومة الاحتلال الصهيوني قرارا باغتيال الشيخ، لعلمهم المسبق بهذا الشيخ وأثره على مسيرة الجهاد والمقاومة في فلسطين على الرغم من شلله، لقد عرفه الصهاينة في السجون وكانوا يكبرونه ويجلونه
لقد أقدم المجرمون على اغتيال الشيخ أحمد الياسين بعد أن أدى صلاة الفجر، وخرج من المسجد ولم يراعوا كبر سنه ولا إعاقته، لأنه يحمل عقلا جبارا اخترق حصون الصهاينة، ووصل إلى قلوب الملايين.
فإذا اجتمع الفكر النير والعاطفة الجياشة والعمل البصير كانت العبقريّة... واجتمع كل ذلك في شيخ المجاهدين أحمد ياسين رحمه الله فكان من عباقرة الإسلام، فقد استقى أفكاره من القرآن والسنّة وتعامل معها وفق منهج الاعتدال والحيوية الّذي تشبّع به في مدرسة حسن البنا، وكانت عواطفه مع دينه وشعبه المشرّد المظلوم فدفعه ذلك إلى الانخراط في العمل الميداني من أجل فلسطين تحت راية الإسلام لقد كان آيةً في فكره وعاطفته وعمله فأحبّه أبناء فلسطين كما أحبّه كل عربي ومسلم
واليوم إذ تمرّ ذكرى استشهاده لا يجوز أن ننسى أنّه بث روح الجهاد في قلوب الملايين ، وسطر أحرف المجد في صفحات التاريخ ، فوقف في وجه المخططات الصهيونية عند قعد الناس، وقال لا للمخططات الصهيونية عندما احتضنها بنو علمان، وقاوم وجاهد في سبيل الله يوم أفتى العلمانيون بحرمتها الذين كانوا يبشرون بالسلام الكاذب، وقاد انتفاضة المساجد بالحجارة حينما لم يتوفر إلا الحجارة، فالشيخ أحمد ياسين لم يمنعه هو الآخر شلله من أن يكون سدّاً منيعاً أمام الهجمة الصهيونيّة سواءً المسلّحة أو المغلفة بشعارات السلام، فرفض الاستسلام وبثّ في الضفة والقطاع روح الجهاد والمقاومة وأوجد جيلاً من القيادات عالية الكفاءة حتّى لا تبقى الساحة الفلسطينية حكراً على دعاة التطبيع مع اليهود والتنازل عن الحقوق الثابتة، وقد لاحظ العالم كلّه ذلك الانعطاف الّذي حصل في الأراضي المحتلّة منذ أنشأ الشيخ حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في ، 1987 وانتشارها الواسع وقوّة طرحها ومواقفها الّتي أعادت الأمل لأصحاب الحق بقدر ما أربكت الاحتلال الصهيوني وحلفاءه، واكتشف الرأي العام العالمي صورة غير معهودة هي صورة أطفال المساجد وهم يرعبون الجنود الصهاينة بالحجارة!
وتكرّر المشهد ورفعت حماس التحدّيّ وألهب الشيخ المجاهد المشاعر وكسر جدار الخوف، وعرف اليهود أنّهم أمام نمط جديد من الرجال ومن السياسة فأبرموا اتّفاقيات أوسلو ليتفاهموا مع الفلسطينيين "المعتدلين" ويطوّقوا حماس "المتطرّفة"، وسجنوا الشيخ أكثر من مرّة وحكموا عليه بالمؤبّد زايد 15 عاماً لكن هذا لم يزده إلاّ ثباتاً، وكتب الله له الفرج فخرج من سجون اليهود عاليّ الهمّة مصرّاً على نهجه، لكن المؤلم في القضيّة أن "السلطة الفلسطينيّة" وضعته تحت الإقامة الجبريّة مراراً ووصفه رئيسها بأنّه إرهابيّ إرضاءً للصهاينة ومن دار في فلكهم، وضايقته حتى يكف عن سقي شعبه رحيق الجهاد.
وأحبّ الفلسطينيّون الشيخ المجاهد والتفّوا حول حركته الّتي خرجت من رحم عشرات الجمعيّات الخيريّة والتنظيمات الاجتماعيّة والمؤسّسات التربويّة الّتي أنشأها هو وإخوانه وتلاميذه منذ ستينيات القرن الماضي وأدّت عملاً تعبويّاً وتثقيفيّاً ودعويّاً امتد طولا وعرضا وعمقا، إذ كانت عبارةً عن محاضن لتكوين الرجال والنساء العابدين لربّهم المتمسّكين بأرضهم المضحّين بكلّ شيء في سبيل غايتهم، وإذا كان العظماء يعرفون من غرس أيديهم فعظمة أحمد ياسين ندركها من خلال القادة العظماء وعشرات أمثالهم من القادة الّذين دوّخوا الصهاينة وعرقلوا بل أبطلوا مخطّطات الاستسلام وبيع القضيّة الفلسطينيّة وقد أحببناهم كما أحببنا معلمهم وقائدهم ، وأعلن الاحتلال عزمه التخلّص من الشيخ المجاهد ونجا من محاولة اغتيال سنة 2003 لكنّه لم يغبر عاداته فضلاً عن سياسته ومنهجه، وبقي يؤدّي الصلوات الخمس في المسجد وهو مشلول منذ صغره ولا يبصر إلاّ بعينه اليسرى وبشكل جزئيّ ، وفي إحدى أذنيه التهاب بالإضافة إلى أمراض عديدة أصيب بها في سجون الاحتلال.
وترجل البطل الهمام
لقد اغتالوا الشيخ وهو يبلغ الخامسة والستين من عمره، بعد خروجه من مسجد المجمع الإسلامي في حي الصبرة، وبعد أن أدى صلاة الفجر في الأول من صفر من عام 1425م هـ ، الموافق 22/3/2004م، ولقد أشرف على العملية رئيس الوزراء الصهيوني ارئيل شارون، فقامت المروحيات الصهيونية بإطلاق ثلاثة صواريخ تجاهه وهو على كرسيه المتحرك.
وهاهي حركته ثابتة على وصيّته لأنّها حركة مؤسّسات وليست حركة أفراد. وفي المقابل أسّس الشيخ أحمد ياسين للعمليّات الاستشهاديّة الّتي استهدفت اليهود وأرعبتهم في الضفة والقطاع وفي أراضي 1948، فقد كان -رحمه الله- ذليلاً على إخوانه مهما كان ظلمهم عزيزاً على اليهود المعتدين، و هكذا هم الربانيون المخلصون لدينهم وأمّتهم.
ست سنوات مضت على ترجل الياسين بعدما أعاد روح الإسلام، سجن وعذب وطورد، أصابته شتى الأمراض، وتكالب عليه القريب والبعيد ولكنه واصل طريقه الذي بدأه، ولم يبال بالجراحات ولا الآلام، وبقي شامخا عزيز