يروى أن رجلا في وسط العمر كان شعر لحيته متوزعاً بين السواد والبياض، وكان متزوجاً من امرأتين إحداها كبيرة والأخرى صغيرة وهما مانا وحانا، وبسب غيرة الكبيرة كانت تنتف من لحيته الشعرات السوداء مدعية بأن الشعر الأبيض وقار، بينما كانت الصغرى تنتف الشعرات البيضاء قائلة: مازلت صغيراً وشاباً ياحبيبي!!
وفي يوم من الأيام نظر هذا الزوج إلى لحيته في المرآة فوجدها جرداء بدون أي شعر، فقال قولته التي ذهبت مثلاً: “بين مانا وحانا ضاعت لحانا”!!
وفي حياتنا اليوم فإن هذا الزوج المغفل هو الشعب اليمني وهذا الوطن المبتلى بأبنائه وخاصة أحفاد مانا وحانا من أصحاب الفساد في السلطة “الحوتيين” –بالتاء- وأصحاب الإنحراف المسلح “الحوثيين”.
ورغم أن الحوتيين والحوثيين طرفا نقيض إلا أن بينهم نقاط التقاء وتشابه كثيرة وكبيرة، تجعلهما خصماً واحداً لعامة أبناء هذا الشعب رغم اختلاف الجهة والتوجه!
فمن نقاط التقابل المتشابهة أن الطرفين يشعران بالتميز العرقي عن سائر أبناء الشعب، وإذا كان الحوثيون يعلنون نظرية “الحق الإلهي” بلسان المقال، فإن الحوتيين يعلنونها بلسان الحال، وإلا لما ظلت عقوداً بأيديهم، ولما عملوا على توريثها!!
الحوتيون يتدثرون برداء الديمقراطية، ويتخفون تحت عباءة الانتخابات وما يسمونها بمؤسسات الشرعية الدستورية، مع الانطلاق من التأصيل الديمقراطي، أما الحوثيون فيتجملون بالدين، وينطلقون من التأصيل الديني لحقهم السلالي المزعوم!
وإذا كان مبرر السلطة لاستخدام العنف هو الغيرة على الوطن ومؤسساته الدستورية فإن مبرر الحوثيين هو الغيرة على الدين.
وتحت عباءة الوطن تمارس السلكة صنوفاً من الفساد السياسي والمالي والإداري، بينما يمارس الحوثيون تحت عباءة الدين صوراً من الفساد الفكري والاجتماعي، وكلا الطرفين يستند إلى قوى خارجية إقليمية أو دولية، متهماً الآخر بالعمالة إما لإيران أو السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الخطاب الإعلامي لكلا الطرفين فإن مضمونهما واحد وهو التسفيه الكامل وامتلاك الحقيقة المطلقة حد التخوين والتكفير، فقد قالت الحوثية ليست السلطة على شيء وقالت السلطة ليست الحوثية على شيء، وهم يقرأون الدستور والقوانين النافذة في البلاد والتي داسها الطرفان بالأقدام مع التشدق باللسان!
ويشبه هذا ادعاء الطرفين التحدث باسم الشعب والانطلاق من مصالحه، والحرص على ثوابته، مع أن كل طرف يقيس مدى تقدمه وانتصاره بقدر ماأحدث من قتل وجراح في الطرف الآخر، والجميع من هذا الشعب المغلوب على أمره الذي نُتفت لحيته وقد يُنتف من أرضه ووطنه إذا لم تداركه عناية الرحمن!
لقد استمتع الحوتيون والحوثيون ببعضهم البعض، فقد كانت الحوثية –وهي امتداد للشباب المؤمن- ماركة سلطوية في سياق تكتيكها ضد خصومها السياسيين، ومكن الحوتيون بدورهم السلطة من الاستيلاء على مقاعد صعدة بالكامل، لكنهم استقووا بالسلطة في هذه المحافظة ضد خصومهم، غير آبهين بالدستور، مما دفعهم لتشكيل ميليشيات عسكرية أقرب إلى الجيش –كما أثبتت أحداث الحروب الستة- وبدورها أعلنت السلطة الحرب بدون أي مسوغ قانوني، وبدون الرجوع إلى أي مؤسسات الدولة التي تتباكى عليها اليوم، فلم تأخذ أي قرار من البرلمان أو مجلس الشورى أو القضاء أو حتى مجلس الأمن الأعلى إلا بعد خمسة حروب وبصورة شكلية!
يمارس الطرفان اللعب بالنار، من خلال العبث بالقنبلة المذهبية والطائفية، مما سيكون له تداعياته السلبية على السلم الاجتماعي على المدى البعيد.
ووصل الأمر في هذا السياق إلى حد الزعم والكذب الصراح، فقد ادعى الحوثيون أن السلطة جلبت إلى المعارك متطوعين وهابيين من السعودية، إضافة إلى السلفيين اليمنيين بالطبع، بل وزعموا في بعض المرات أن إصلاحيين يقاتلون مع السلطة في خندق واحد، وفي المقابل ذكرت أطراف سياسية وإعلامية في السلطة مرات عدة، وجود خبراء عسكريين شيعة في صعدة من العراق ولبنان، بل ذكر بعضهم من الحرس الثوري الإيراني!
وفي مقامات أخرى ذكر الحوثيون أن السلطة قتلت المئات من الشيعة الزيدية من قيام الثورة حتى الآن، وأن الزيديين مضطهدون، مع أن رؤساء السلطات الثلاث في البلاد بيد الزيدية بما فيها رئاسة الدولة رغم كونهم أقلية.
وفي المقابل تزعم السلطة قيام الحوثيين بقتل السنة، وبإشاعة ممارسات هي من ثقافة الشيعة الإمامية كزواج المتعة، بل واختطاف النساء بالقوة واغتصابهن من قبل المجندين الحوثيين، وهذا الزعم يفتقر إلى ظل من الحقيقية لأن الحوثية هم من الزيدية الجاردية التي تشترك مع الإمامية في سب الصحابة، لكنها تنتقدهم في زواج المتعة، ولو حدث اختطاف النساء كما تزعم السلطة ما وجد الحوثيون كل هذا الغطاء الشعبي!
وفي ذات السياق يتهم الحوثيون السلطة بأنها طائفية، وتتهمهم السلطة بأنهم سلاليون، ومع ذلك فإن كل طرف يسدي خدمة لفساد الطرف الآخر، فإن مبرر ظهور الحوثيين هو فساد السلطة، ومن فسادها يتغذون، وبسبب فسادها ينتشرون بقوة، أما السلطة فإن عمرها يطول لأن هناك مغفلين مثل الحوثيين وأشباههم من متطرفي مايسمى بالحراك الجنوبي!
والغريب أن سيارة الحوثيين تعطي إشارة العداء نحو الخارج “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل” لكن سيارة الموت تنطلق نحو الشعب اليمني، سواء كان الجيش، أو القبائل الموالية للسلطة، وحتى المدنيين حسبما تقول السلطة.
وكذلك تفعل السلطة، فإن سيارتها تشير ناحية المحافظة على الشرعية الدستورية لكن حصانها الجامح يدوس الدستور ليلاً ونهاراً، بل لقد تحول هذا الحصان إلى ثور اسباني هائج ومصاب بعمى الألوان، حيث يرفس التيارات السياسية الشرعية الممثلة بالمشترك، كما يفعل مع الحوثيين تماماً!
والعجيب أن طرفي النقيض في هذه الدائرة يتفقان في العداوة للمشترك، ويحرص كل منهما على جره إلى مربعة الآٍن حيث مستنقع صعدة!!
ومع أن الطرفين يحتكران تمثيل الشعب ويدعيان الحرص في هذه الحرب على مصالحه، إلا أن كل طرف يمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين، وتبادل الطرفان التهم المحقة في استهداف المدنيين وتحويلهم إلى رهائن ودروع بشرية، وكذلك استهداف المنشآت العامة حتى لا يستفيد منها أي طرف في حرية على الآخر.
وفي هذا الدرب عمل الطرفان على إيقاد العصبيات القبلية حد الحرب، كما فعلا في الحرب التي اندلعت بين حاشد “العصيمات” وبكيل “سفيان” في عمران ويبدو أن شعار الطرفين هو المثل الشعبي القائل: “الحجر من القاع والدم من رأس القبيلي”!
ومارس الطرفان تجنيد الصغار، وتعبئة الجميع لمعركة مقدسة ضد بعضهما، بحيث لو ظهر جزء من هذه الشجاعة في المعركة مع الخارج ما تجرأ الأرتيريون على استباحة الجزر اليمنية مرات عدة، ولما استمروا إلى اليوم في اعتقال الصيادين اليمنيين في عرض البحر ومصادرة ممتلكاتهم عشرات المرات!
وفي إطار التسلح فإن أشهر تاجر أسلحة هو ذاته الوسيط بين السلطة والحوثيين وهو نفسه الذي يتهم اليوم بشراء الأسلحة للحوثيين وآخرها صفقة السلاح الصيني!