هناك وزارات في الجمهورية اليمنية برز دورها القوي بجلاء إبّان الازمة التي اجتاحت البلاد خلال العام والمنصرم والتي امتطت صهوة جواد الحقوق المطلبية التي نادى بها الشباب في بداية الأمر، قبل ان تتحول الى ازمة سياسية حاكت ما يسمى (بالربيع العربي) والتي ضربت اقتصاديات بعض الدول العربية، وخلقت الفرقة والانقسام بين شعوبها، وراح ضحيتها آلاف العرب الذين لا ذنب لهم سوى انهم جُعلوا وقوداً لنار لا دخل لهم بها، نار يريد مشعلوها الوصول الى السلطة فقط ولو على جماجم العباد وخراب البلاد.
ولأن الازمة التي اجتاحت بلادنا كانت مطلبية وحقوقية في جزئها المرتكز على الشق الاقتصادي، إلا انها كانت سياسية في معظمها باحثة على الانقضاض على السلطة وبأي طريقة كانت.. ومن هنا برز دور وزارة الخارجية وخاصة وزيرها الدكتور ابوبكر عبد الله القربي الذي كان له بلاء حسن في نقل الصورة الحقيقية لما يدور في الداخل اليمني للمسؤلين في الدول الشقيقة والصديقة، بعيداً عن الاستهداف الاعلامي الذي قادته القنوات الاعلامية وجندت له كل ما تملك من امكانيات بغية تكرار المخطط الليبي في بلادنا لا سمح الله، وهو ما لم يحدث ولله الحمد، بفضل الله جلَّ وعلى وقدرة وزارة الخارجية اليمنية على لعب دورها الصحيح في الوقت المناسب.
ان ما تعرضت له وزارة الخارجية من انشقاقات كبيرة في كثير من سفراتنا في الخارج، بعد ما تعرض له الشهداء من الشباب - رحمهم الله- في 18 من مارس 2011، كان كفيلاً باختلال توازنها، وهو المقصود، فسفارة بلادنا في مصر ومندوبيتها الدائمة لدى الدول العربية كانت حجر الزاوية، وكان يراد منه التطبيق الحرفي للانشقاق الليبي، ولكن استطاعت اليمن من خلال حنكة دبلوماسيتها والمتمثلة في وزارة الخارجية، من جعل ذلك الانشقاق هباءً منثوراً.
الفخ الذي نُصب للقربي حينها كان يتمثل في احراجه بالاستقالات –رغم قلتها مقارنة بليبيا- وبالتالي دفعه الى التغيير الفوري للوزراء المستقيلين –والذي عاد اغلبهم بعد تأكدهم من فشل الخطة – فقد كان المطلوب ان يكون تصرف القربي ارعناً مما يقوده الى فصل اؤلئك السفراء وإظهار اليمن بالمظهر المعادي عند الدول الأخرى وهو ما لم يحدث ويحسب للقربي.
المبادرة الخليجية كانت هيئة هندستها الرئيسية ترتكز على الجانب الدبلوماسي، وهو ما مكن الخارجية اليمنية عبر الوزير القربي من بلورتها وتنقيحها وإعادة صياغتها، ولم تستطع خارجية احدى الدول الداعمة للانفلات الامني العربي التغلب على الخارجية اليمنية، فكان في الاخير ان سُطرت المبادرة وفق الرؤية التي تبنتها الدولة وسوقتها الخارجية اليمنية.
ان هذا النجاح الذي تحقق للخارجية بفضل الله ونجاح الدكتور القربي في مهامه، اقنع الرئيس عبد ربة منصور هادي –رئيس الجمهورية- بعمل الرجل وضرورة وجوده في المرحلة الانتقالية لإكمال الدور الكبير الذي قاده ضد الهجمة الاعلامية المغرضة التي صوبت نحو بلادنا، وهنا بدأ الاعتراض على الرجل وبدأ البعض بمهاجمته علناً، بعد أن كانوا من وراء ستار كل تلك الفترة.
كما ان اقتراب التغيير الدبلوماسي –غير التعسفي- بل من انتهت فترة عملهم والتي عادة تستمر لأربع سنوات، اضافة إلى من بلغ التقاعد منهم، ولأن البعض يريد المحاصصة او الاستحواذ او فرض اسماء من خارج السلك الدبلوماسي، فلم يعجبه توجه القربي للتعامل بمهنية مع التعيين في السفارات.
انا هنا لا ادافع عن الرجل فهو وحده القادر على الدفاع عن نفسه، ولكن ادافع وباستماتة عن الدور الكبير الذي لعبته الخارجية اليمنية - بلدي- خلال الأزمة وهو الذي تماشى من الرؤية التي نظرنا بها ومن خلالها للأحداث، كما ان الخاتمة التي آلت اليها الازمة تطابقت بحذافيرها مع ما نادينا به من انتخابات رئاسية مبكرة –بديلاً عن فوضى الشارع- ولهذا فلن يرضوا عنك ايها القربي وهم يرون فيك محطماً لأحلامهم السابقة والآنية.
بالمقابل فإني لا ابرأ الوزير من الكم الكبير من الاسئلة التي وجهت اليه –على صورة اتهامات- والتي يفترض ان يفندها الاخ الوزير لإماطة اللغط الحاصل حولها...ويبقى في نظر القانون بريء حتى يُثبت الطرف الاخر صدقية ما يدعية، والقضاء هو الفيصل الوحيد في انصاف القربي ان صدق المدعون وقدموا ما لديهم إليه (القضاء)، اما ان يبقى التشويه اعلامياً فمن حق القربي ايصال ما يحدث للقضاء.
ان ما يحصل الان من تشويه لدور الخارجية اليمنية لا يخدم بأي حال قضيتنا المحورية والمتمثلة في اكمال الانتقال السلمي والآمن للسلطة، والذي كما قلت كان للخارجية ووزيرها دور مهم في اتمامه -من وجهة نظري-، ولهذا فإن ارباك الوزير في هذه المرحلة يُقصد منه ارباك عمل السياسة الخارجية لليمن، وهو ما يضر بالتأكيد في سير التسوية السياسية، من خلال ايصال رسائل مغلوطة او مشوهة، او ربما تكون حقيقية ولكن زمن تقديمها لا يخدم اليمن لأنها لا تحتوي على نوايا حسنة.