"المصالحة المجتمعية" دعوة أطلقتها جمعية القدس للبحوث والدراسات الإسلامية لعلها تعمل على ترتيب الأوضاع في البيت الفلسطيني رغم الأجواء السياسية الملبدة بالغيوم في الوقت الحالي.
ولكن عزيزي القارئ يا ترى ماذا تعني "المصالحة المجتمعية"، وبم تعود على المجتمع إن وجدت وماذا يفقد في غيابها؟! "فلسطين" حاورت رئيس قسم الشريعة الإسلامية في الجامعة الإسلامية أ. صادق قنديل وأعدت التقرير التالي..
وضح أ. قنديل أن المصالحة المجتمعية " تأتي ضمن مشروع مجتمعي طويل فهي إنجاز توافق بين مختلف مكونات المجتمع حول خطة شمولية ومحددة وكاملة ودقيقة بهدف الوصول إلى حلول عادلة واستقرار المجتمع".
ويوضح أن "المصالحة المجتمعية" تتعلق بتسوية الخلافات الناشئة عن الخلافات السياسية، ومقصدها – وفق وقوله – التعويضات المالية لمن تضرروا بفقدان دماء أو أموال أو ممتلكات كإعطاء الدية لأبناء المقتول.
ويلفت النظر إلى أنها فريضة شرعية وضرورة مجتمعية، فالمصالحة محورها الفرد أو المواطن والمجتمع الذي تناط به مصالح عليا تتمثل في إعمار الأرض، "وهو ما لا يمكن حدوثه إن لم تكن هذه المصالحة قائمة بين أركان المجتمع"، حسب تعبيره.
لا تتعلق بالفرد وحده
ويتابع أ. قنديل: "لا تتعلق رسالة المجتمع ورسالته بالفرد وحده بل بقواعد تعامل الأفراد فيما بينهم وبالتالي تتحقق المصلحة العليا"، منوهًا إلى أنه إن بقي أفراد المجتمع مختلفين فيما بينهم فإن المصلحة العليا لمقاصد الشريعة الإسلامية تتعطل بالإضافة إلى عدم تسيير شؤون ومصالح الناس.
ويؤكد أن غياب "المصالحة المجتمعية" يضر بمصالح الناس المالية والعقلية والنفسية وهي من مقاصد الشريعة، مكملاً: "إذًا ليست هي من باب الندب والاستحباب إنما تأتي في باب الواجب والفرض، وهو ما حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما آخى بين المهاجرين والأنصار كنوع من الصلح المجتمعي رغم عدم وجود عدواة بينهما ولكنها كانت توطئة للصلح بين قبيلتي الأوس والخزرج فيما بعد".
ويذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، متابعًا: "لذا وجب على الأمة أن تكون هذا الجسد الواحد لتكون قادرة على تخطى الأخطار المحدقة بها وتدافع عن نفسها.
وينوه إلى قوله تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً"، إذ يبين في صفات هذه الأمة أنها تعرف طبيعة المرحلة والمنهج السليم والطريقة الأفضل والأمثل من مقتضيات المحافظة على وسطيتها ومنها "التوافق بين أفراد المجتمع"، وكذا قوله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا".
دوافع وآليات
ويتطرق أ. قنديل إلى الحديث عن الدوافع التي تحققها "المصالحة المجتمعية"، وهي تندرج تحت شقين الأول سياسة داخلية والآخر خارجي، مضيفًا: "المجتمع الفلسطيني يختلف عن غيره من المجتمعات لما يعيشه من معاناة مع الاحتلال، ما يوجب وجوده على أرض فلسطين توحيد الصف الداخلي والترابط في مواجهته".
ويقول: "الوحدة هنا واجبة بأمر القرآن الكريم لقوله تعالى: "إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ""، متابعًا: "فالاتفاق السياسي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي بين أفراد المجتمع الواحد يسهل مواجهة الاحتلال".
وينبه إلى أنه في حال تفريق الصف فإما يتأخر النصر أو تلحق بنا الهزيمة أو تغيير الخلق بآخرين وفق قوله تعالى: "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ"، وبالتالي فإن وجود "المصالحة المجتمعية" تطوير اجتماعي واقتصادي يتبعه عملية تنمية في جميع مجالات الحياة ومن يقف في وجهها فهو آثمٌ إثمًا كبيرًا لأن الضرر يفوق الفرد ويعم على المجتمع.
وأما الدافع الخارجي، فإن بقاء الصف الفلسطيني غير متراص يعطي فرصة للأعداء الطامعين في أرضنا بالتمادي في أفعالهم ومخططاتهم، إضافة إلى فقدان الدعم من الدول العربية والإسلامية التي تقف عاجزة عن تحديد أي طرف من الأطراف تقدم له المساعدة.
ويوضح أن دور إرساء قواعد "المصالحة المجتمعية" في المجتمع منوط بعلماء فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية، قائلاً - في رسالة يوجهها لهم -: "لا تنتظروا إشارة من أحد ولتكن المبادرة منكم فالشريعة الإسلامية تمنحكم حق السيادة فلا تكونوا رهينة لأحد".
ويتابع: "لابد من اجتماع العلماء والتدارس فيما بينهم مرات ومرات لإيجاد الطرق والوسائل التي تعمل على تنفيذ "المصالحة المجتمعية""، مشيرًا إلى أن البعض قد يتحجج بالمال ولكن في حال مبادرة العلماء فإن كثير من أهل الخير سيدعم هذا التوجه.
ويختم بقوله: "ويجب على علماء غزة عدم رهن تنفيذ "المصالحة المجتمعية" في الضفة الغربية حتى يتم تنفيذها في غزة، بل لابد من العمل على تنفيذها والقيام بها دون انتظار"، مبينًا أن "المصالحة السياسية" ليست هي الشرط الأول لتحقيق "المصالحة المجتمعية" وإنما العكس.
صحيفة فلسطين