حدث هذا في شهر شوال من السنة السادسة للهجرة الموافق لمارس 628م فقد سار النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه في موكب مهيب متجهين من يثرب الى مكة المكرمة \"بصدور عارية\" حيث لبسوا ملابس الاحرام دون حمل سلاح الحرب وذلك لاثبات ان مسيرتهم سلمية سلمية ميه ميه حتى لا تظن قريش بان محمد واصحابه إتوا زحفا الى مكة وإنما كان مقصدهم من المسير هو أداء العمرة وقد ساقوا الهدي معهم إثباتا لصدق نواياهم، ولكن ما أن وصلوا الى الحديبية حتى توايلت الاخبار أن قريشا قد جمعت وحداتها العسكرية \"وبلاطجتها\" لمواجهة محمدا واصحابه وصدهم عن بلوغ البيت الحرام، متناسين ماكان معروفا عن قريش أنها لاترد من أتى قاصدا بيت الله الحرام.
حينها جمع النبي أصحابه وبايعهم على الموت في سبيل الله فيما عرف باسم بيعة الرضوان، ثم بدأت المفاوضات بين الطرفين وقد اوفد النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه الى قريش ليبنين لقريش أن هدفهم سلمي بحت وهو أداء العمرة ثم العودة الى المدينة، وأنهم لم يأتوا زحفا كما تدعي قريش ودليلهم أنهم لم يحملوا عدة الحرب، لكن قريشا رفضت ذلك وأرسلت مندوبا عنها يحمل مبادرة لانهاء الازمة ولكي تنقذ نفسها من ارتكاب خطأ تاريخي ستكتب عنه العرب المواويل، فتم توقيع صلح الحديبية الذي كان في ظاهره انتصارا لقريش وهزيمة للإسلام، حيث كلما ذكر النبي شيئا في الصلح عدله مندوب قريش بما يتوافق مع هواهم، فكان مما قال لعلي ان أبي طالب رضي الله عنه كاتب الصلح اكتب: هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمر -وكان مندوب قريش- فرد سهيل بن عمر والله لو نعلم أنك رسول الله ماصددناك عن البيت، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه: إني رسول الله وان كذبتموني، اكتب محمد بن عبدالله، بل مما كان في بنود هذه المبادرة أن يلتزم المسلمون بإعادة من يأتيهم من قريش مسلما بدون إذن وليه، وألا تعيد قريش من يعود إليها من المسلمين، وأن يعود المسلمون في سنتهم تلك دون عمرة على أن يأتوا السنة المقبلة، وهذا كان فيه إجحاف واضح لجهود المسلمين الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ناهيك عن مدى إيمانهم بعدالة قضيتهم وسلمية مسيرتهم، مما أدى الى تذمرهم من الصلح فمارسوا حينها حقهم في التعبير عن الرأي بشكل سلمي فنفذوا أول عصيان مدني تشهده البشرية، حيث أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن ينحروا هديهم ويحلقوا رؤوسهم، فلم يقم منهم أحد، حتى كررها ثلاثا فلم يستجبوا -ليس عصيانا لأمر النبي حاشاهم أن يكونوا كذلك وإنما تعبيرا سلميا عن إعتراضهم على بنود الصلح- وبقوا على موقفهم إلا من بعد إن رأوا النبي ينحر بدنه ويدعى حالقه ليحلق له، حينها أيقنوا أن لا عوده عن إمضاء هذا الصلح المجحف -بحسب ما بدا لهم- فقاموا جميعهم فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا.
فكان من فوائد هذا الصلح الذي في ظاهرة خسارة للمسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم استطاع انتزاع اعترافا واضحا من قريش بالمجتمع الجديد الذي قام في المدينة، وأن له الحق كبقية القبائل العربية بزيارة مكة المكرمة -كما يقول أحد المؤرخين- ويضيف قائلا إن خروج النبي صلى الله عليه وسلم لأداء العمرة بشكل سلمي وضع قريش أمام خيارين أحلاهما مر: فإما أن يمنعوه هو وأصحابه فتهزم مكانتهم الأدبية والاجتماعية بين العرب لكونهم يصدون عن بيت الله الحرام، الخيار الآخر أن يقبلوا دخوله فتهتزم مكانتهم السياسية وهيبتهم العسكرية بين العرب لأنه سيقال: ان قريشا سمحت لمحمد وأتباعه بدخول مكة لعدم قدرتهم على مواجهتم ومنعهم.
فهذا مما كان في عهد النبوة والرعيل الاول القوم الطهر الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه، ناهيك أن الرعاية الالهية كانت تحفهم في حلهم وترحالهم فالنبي لاينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى فما جاء في مبادرة الحديبية إنما كان برعاية الرب سبحانه، لذلك أتت نتائج الصلح في مصلحة المسلمين وإن لم يشعروا بذلك وقتها.
أما واقعنا اليوم فيجب أن نكون حذرين لأنه ليس فينا نبي يوحى إليه حتى نثق بكلامة أو ملائكة تتنزل بالكرامات من السماء، فلايمكن أنا ما نراه واضحا وجليا مخالفا لم نطمح اليه ندعي أن في مضمونه نصر لمبادئنا واهدافنا بحجة (وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم)، فما نشاهده من تعامل قوى المعارضة اليمنية مع مايسمى بالمبادرة الخليجية، لا يمكن أن نحسبه من قبيل أن ظاهره يتناقض واهداف ثورة الشباب السلمية بينما مضمونه أو ماينتج عنه هو خدمة لها، هذا الإعتقاد خاطئ لأن زمن المعجزات قد انتهى فلسنا في انتظار معجزة تقلب الموازين بعد ان يوقع المسخ علي صالح لتتحول نتائج هذه المبادرة لمصلحة الثورة وخدمة للشعب التواق للحرية والكرامة حينها نجد أحزاب اللقاء المشترك تقول: لكن هذا وربي لن يحصل كل مانتوقعه نحن الشباب، ماسيحصل هو تنازل فاضح لدماء شهدائنا وسينتج عنه احتقان اجتماعي يصعب معالجته، فهم سيقولون حينها –واقصد قادة المعارضة- كلمة الساسة الشهيرة: نعتذر اخطأنا الحسابات، وذلك لأنهم مازالوا يستخدمون ألآت الحساب العتيقة.
فأقول لهم يامن قد أكل عليكم الدهر وشرب أصحوا لرشدكم فلست يا عبدالوهاب الانسي أبوبكر الصديق ولم تكن يوما د/ياسين سعيد نعمان عمر بن الخطاب بل لم يشبه يوما ما الاستاذ محمد باسندوه عثمان بن عفان ولم يكن البته الدكتور عبدالملك المتوكل -شفاه الله- مماثلا لعلي بن ابي طالب رضي الله عن صحابة رسول الله حتى نكون على ثقة بأن انجرارهم وراء المبادرة الخليجية إنما هو في مصلحة الثورة الشبابية وتحقيقا لأهدافها فشتان بين الجيلين وشتان بين الطرفين، ففي الرعيل الأول كان قرآنا ينزل وضمانة ربانية توحي إلى الرجل الأول بأن هناك خير سيأتي من بعد هذا الصلح، لذلك أقول لهم مجددا أنتم لم تدركوا بعد باننا في الألفية الثالثة! بمعنى؛ أن الحسابات والأطر السياسية التي كنتم تتعاملون بها في سبعينياوثمانينيات القرن الماضي لم تعد مناسبة لهذا القرن الاكثر انفتاحا إضافة لمايحمله الشباب من روح مفعمه بالأمل والتطلع لمواكبة العصر الحالي الذي نعيشه لا ماكنتم تعيشونه أنتم والمسخ، فطريقتكم أنتم وهو لم تختلف كثيرا في التعاطي مع ما يجري في بلدنا الغالي لأنكم نفس الجيل بل وترعرعتم معا، فإذا بكم تتكلمون باسم جيلا غير جيلكم، فكيف بربكم ستحققون احلام شباب لاتنتمون اليهم؟ ومن منحكم التفويض أن تتنازلوا عن دماء شهدائنا؟ وإن كنتم تدعون ان ما يجري خلف الكوليس فيه مصلحة البلد فمن واجبكم أن تنشروه لنا وتبينوا للناس بكل شفافية ومصداقية كل خطوة تخطوها، فالوقت ليس وقت الغرف المغلقة والتعتيم البائس.فاحزموا أموركم –ياهداكم الله- واعلموا يقينا أن المجريات بحاجة الى تغيير الأدوات، فدعوا الدماء الجديدة في أحزابكم هي من تتصدر المشهد السياسي -عذرا منكم لقد سئمناكم- حينها سنعلم صدق نواياكم بأنكم مع التغيير ونقول لكم شكر الله سعيكم.
اتركوا هذا الجيل الصاعد الذي يضحي باغلى ما يملك من أجل وطنه، يحلم بوطن تسوده المواطنة المتساوية والحرية والعالة، ألم تروا نساء تعز الثائرات وهن يضربن أروع الامثلة في النضال والكفاح السلمي، قولوا لي بربكم ألايستحق هذا الجيل أن تكون له كلمة؟؟!