إختناق

عندما كنا نلعب الشطرنج ونحن أطفال، كان هناك حالة تصل باللعبة إلى وضع (أسميناه: اختناق) وتفصيلها أن أحد اللاعبين يمتلك أكثر القوة على الرقعة، ولكنه غير قادر على تفعيلها لهزيمة خصمه، الذي لم يعد لديه في هذه الحالة سوى الملك، فيظل هذا اللاعب (الأقوى) يكشكش (من: كش ملك) خصمه والأخير يهرب بالملك من نقطة الى أخرى حتى يجد نفسه محصوراً في النقطة التي يقف عليها (والتي تكون في مأمن من الكشكشة!) وهنا تنتهي اللعبة.
 
كانت هذه الحالة تسجل كتعادل، إلا أنها كانت «نصر إلا ربع» للاعب صاحب الملك، ولا يتبقى سوى «ربع فوز» للطرف الأقوى (حاجة تفطر القلب!!) وعندها ينتفض «صاحب الملك» فرحاً بقدرته على المواجهة والبقاء، بينما تظهر ملامح الغبن والحنق على وجه ذلك اللاعب (الغبي) الذي لم يكن محنكاً ليستحق الفوز.

ربما سيكون قاسياً إنزال هذه الحالة على الوضع الذي آلت إليه الثورة الشعبية السلمية اليمنية، ولكنها في الحقيقة تحتمل مثل هذا التوصيف بشكل أو بآخر منذ أن دخل على خطها السياسة والسياسيون.

عندما انطلقت ثورتنا كنا نعرف أن هناك كثيراً من العوائق الداخلية والخارجية، وهو ما كان يعرف بـ «خصوصية الوضع في اليمن»، ولذلك كنا ندرك أن العمل السياسي بقيادة الأحزاب والشخصيات الوطنية المساندة للثورة سيكون أداة من أدوات العمل الثوري، ولكنا أيضاً كنا نتمنى من «حكمائنا» في اللقاء المشترك وشركائه ألا يقدموا أنفسهم -بالقوة التي فعلوا- كمتحدثين باسم الثورة أوقادة لها، مع كل الإجلال لدورهم الوطني سابقاً وحالياً، ويرجع موقفنا (أو تمنينا) ذلك إلى كونهم رجال سياسة وقادة أحزاب سيكونون عرضة للضغوط من قبل أصدقائهم وشركائهم في الداخل وكذلك من الخارج، وهذا بالتأكيد سيؤثر على أهداف الثورة وتطلعات الثوار في الساحات.

نطالع الوضع الراهن ونضع أيدينا على قلوبنا.. كيف صارت أهداف الثورة هي نفسها الهدف الأمريكي المتمثل بإزاحة «علي صالح» وإبقاء أي شي آخر على ما كان عليه؟!

قد لا يكون من العدل إلقاء كل اللوم على أحزاب المشترك لأننا نعرف الأرضية التي يتحركون عليها، ولكنهم يجب أن يتحملوا جزءاً كبيراً من المسؤولية لأنهم -على الأقل- أظهروا ضعفاً غير مبرر في مواجهة الضغوط الخارجية فيما يتعلق بترتيب الوضع وتمكين الثورة منذ مغادرة صالح وبعض أركان نظامه للعلاج.

أعتقد أن الثورة قد وصلت الى نقطة تقلصت فيها الخيارات كثيراً، فخيار الحوار مع «ابن هادي» الواجهة السياسية للأولاد وخبرتهم، لم يأت بأي نتيجة، لأنهم -كما نعرفهم- لم يكن الوطن على قائمة اهتماماتهم على الإطلاق. ولا أدري على ما يعول قادة اللقاء المشترك من حوارهم مع (ورهانهم على) «ابن هادي» ذلك الرجل الذي يبدو أن لديه «فطرة الدور الثاني»! ولا يبدو أنه بصدد مغادرة ذلك الدور حتى لو كان الثمن -لبقائه كذلك- وطناً يتناقص كل يوم.

وبحسب ما يرشح من أخبار فإن الحوار مع «بقايا» النظام قد وصل الى طريق مسدود.. مسدود (يا أبتي) بعد أن انحاز السفير «جيرالد الصالح» الى «الشرعية الدستورية» متمسكا بحقه بالبقاء في منصبه (محترفاً كغيره من الضباط المحترفين من أبناء العائلة الصالحية!) وأمام هذا الاصطفاف العائلي من قبل «كتلة المحترفين» تعطلت، أو يجب أن تتعطل، الحكمة المشتركية.

وفي ظل اختناق سياسي كهذا سيكون من الضروري تلمس خيارات الحسم (الثورية والشبيهة بالثورية) وهي بحسب أنصارها كما يلي:
الأول: تعتقد شريحة من الثوار أن التصعيد سيكون في استعادة زخم المسيرات المليونية المنطلقة من الساحات، وبرأيي أن «المقافزة» في شوارع العاصمة وبقية المدن لم تعد تجدي نفعاً خصوصاً بعد أن ترك أفراد الأمن المركزي هراواتهم وغازاتهم السامة وامتشقوا بنادقهم الرشاشة، وكذلك استمرار قوات الحرس الجمهوري في ضرب تعز وأرحب وغيرها من المناطق، وهذا يعني أن الطرف الآخر لم يعد يجد متعته في قمع المظاهرات بعد أن عرف متعة القذائف الصاروخية.

الثاني: وهو الخيار «الشبيه بالثوري» حيث لازال هناك، ربما، من يراهن على إبقاء الوضع كما هو (البقاء في الساحات وممارسة العمل السياسي الذي لن يوصل الى شيء) والاعتماد على وطنية أفراد القوى العسكرية والأمنية الذين لم يلتحقوا بعد بالثورة ليعلنوا انضمامهم، حتى يجد أبناء العائلة أنفسهم وحيدين فيضطرون للتسليم والمغادرة.

نعم يحدث هذا بالعشرات أسبوعياً، ولكن كم من الوقت سنستغرق؟ لم يعد الوضع يحتمل هذا فقد تعطلت حياة الناس لفترة طويلة وتوقفت أسباب معيشتهم، والوضع الاقتصادي يزداد كارثية وينذر بانفجار ستكون عواقبه الاجتماعية خطيرة جداً، أكثر من أي خيار آخر، وفي الحقيقة لا أعتقد أن أحداً لازال يفكر بمثل هذا الخيار.

وأمام تعطل المسار السياسي وعدم جدوى الخيارين السابقين بحسب ما يرى كثيرون، يطرح الآن خيار طالما رفضت الثورة السلمية الانجرار إليه طيلة الفترة الماضية، يتمثل هذا الخيار في تحول الثورة إلى العنف المسلح من أجل تحقيق أهدافها، لأنه لا يمكن أن تتراجع الثورة وتكون نتيجة هذا الاختناق على حسابها وحساب الشعب وتطلعاته.(افهم يا «ابن هادي» أنب وخبرتك.. وبرك برئيسك، الذي ربما ترى فيه حكيماً، يستوجب عليك أن تستمع نصيحته وتخلع نظاراتك السوداء لترى الرقعة على حقيقتها، فتعرف أن الثورات لا تختنق.. أعداؤها فقط هم من «يخنقون»).

يبدو ذلك الخيار واقعياً للخروج من جمود الوضع الحالي وكارثيته خصوصا وأن الأمر- في رأي أصحاب هذا الخيار- شبه محسوم، ولن يستمر طويلاً، لأنه في رأيهم سيكون على مشارف العاصمة ولن يتبقى سوى بعض الجيوب في بعض المحافظات والتي سيكون أمرها يسير أبعد ذلك.
شخصياً.. لا أتمنى تحقق هذا الخيار، ولكن ما نشاهده الآن في تعز وأرحب ربما يكون مؤشراً على أنه الخيار الذي نذهب إليه بالفعل.

إن تحول الثورة السلمية إلى العنف المسلح وإن كان سينهي اللعبة ويجنب الثورة مآلات الاختناق إلا أنه سيعني «نصراً إلا ربع» للنموذج الفريد والجديد الذي كان مؤملاً لهذه الثورة أن تنجزه، والذي سيؤهلها لحمل اسم«الثورة العقلانية الأولى في تاريخ البشرية».

أتمنى أن يتفهم الجميع مخاطر الوضع الذي ننزلق إليه، وأن يعرف الأبناء وخبرتهم أن ثورتنا قد منحت لهم من المخارج ما لم يمنح لغيرهم في مثل وضعيتهم.
 
المصدر أونلاين
 

هذا هو حبل البغال عند المخاض يشطوا بطنها لكي تلد! بمعنى أخر زنقة زنقه وهاذا هو ماكان العقلا يحذرون منه قبل حبل البغلة
مشكور سيدنا اليث!