تعز العز يا برابرة
د.محمدعبدالملك المتوكل
حتى اليوم وبعد مرور أكثر من أسبوع وأنا لا أكاد أصدق أن يحدث في تعز ما حدث ويحدث حتى اليوم ومهما جمح بي الخيال لم أكن لأتصور أن لا يزال في اليمن وفي هذا العصر برابرة متوحشون يمكن أن يقوموا بما قاموا ويقومون به في ساحة الحرية بتعز.. حقاً كم هو رهيب الإنسان حين يتجرد من قيمه الدينية والأخلاقية والإنسانية والوطنية وعاداته وتقاليده الحميدة. بالآليات يحرثون البشر والمعاقين وهم نيام وبالدبابات والصواريخ يقتلون النفس التي حرم الله وكأنهم في رحلة صيد.. وكل هذا العنف الوحشي ضد من.. ضد شباب من الذكور والإناث خرجوا في اعتصام سلمي وبصدور عارية ينشدون العدل ويرفضون الظلم ويطالبون بحياة كريمة لهم ولأولئك الذين يحصدونهم برصاص الغدر خارج إطار الدستور والقانون وخارج كل الشرائع السماوية والأرضية.
ساحة الحرية في تعز العز من أكثر الساحات نظاماً وانتظاماً وانسجاماً فلقد عكست بكل أطيافها أرقى أنواع الاندماج الوطني وكانت النموذج العملي للدولة المدنية القائمة على التسامح والمواطنة المتساوية واحترام الرأي والرأي الآخر ولعل هذا هو ما ضاق به برابرة القرن الواحد والعشرين.
لا غرو أن تكون ساحة الحرية في تعز في هذا المستوى، فأبناء هذه المحافظة هم رواد الحركة الوطنية منذ أربعينيات القرن الماضي، ومن ذبحان جاء الصانع الأول للقضية الزعيم أحمد محمد نعمان، ومن تلك الجبال الشماء جاء عبدالفتاح إسماعيل وأبطال السبعين الذين دافعوا عن الثورة في شجاعة نادرة وبكفاءة عالية.
ولا يقف الأمر عند ذلك فأبناء هذه المحافظة هم الدينمو المحرك داخل كل مؤسسات الوطن الحكومية والحزبية والمدنية والاقتصادية. ولعل محافظة تعز الوحيدة التي لا توجد فيها محافظة في اليمن وليس فيها من أبناء محافظة تعز سواءً في مؤسسات الدولة أو في الأعمال التجارية والحرفية، ويتميزون عن بعض أبناء المحافظات في الوسط وشمال الشمال أنهم حين يغتربون يحرصون على أن يجمعوا قرشاً على قرش وحين يعودون إلى وطنهم لا يصرفون ما جمعوه على الشريعة كما يصنع أبناء المناطق الوسطى ولا على "الفشر" و"الفنجخة" كما يصنع أبناء مناطق شمال الشمال وإنما يستثمرون ما جمعوه في متجر، أو مطعم، أو مخبازة، أو بنشر، أو مصنع، بينما تتلف الشريعة و"الفنجخة" أموال غيرهم والذين يعودون من حيث أتوا مصغرين خدودهم في بلاد الغربة.
لكم الله يا أبناء محافظة تعز وشلت كل يد تمتد إليكم أو تمتد إلى شباب أي ساحة من ساحات الاعتصام، أولئك المجاهدين في سبيل بناء وطن الكرامة والتسامح والحرية والديمقراطية والمواطنة المتساوية في ظل سيادة القانون.
يا أحبائنا في محافظة العز لكم كل الوفاء والذي عبر عنه أبناء شعبكم في كل المحافظات.. وتحية خاصة لأبناء صعدة الذين جادوا بأموالهم دعماً لإخوانهم في تعز وهم بذلك يؤكدون لدعاة التمزيق الطائفي والمناطقي والعنصري أن جهدهم في التمزيق ذهب سدى وأن الشعب اليمني بكل أطيافه سوف يعيش مؤتلفاً موحداً شعارهم الدين لله والوطن للجميع.
المصدر أونلاين