نــــص الفتـــــوى
نظرات شرعية .. في وسائل التعبير العصرية عدد القراءات
أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
لا يمكن في هذه العجالة الحديث بالتفصيل عن كل الوسائل السابقة ولكن سأقتصر على وسيلة واحدة منها وهي ( المظاهرات السلمية) نظرا لكثرة الحديث عنها في هذه الأيام ، بين محلل ومحرم. دون مناقشته لموارد الأدلة فيها وقد كثر الخوض في حكمها بعد الثورة الشعبية السلمية في تونس.. ومصر.. وليبيا.. وغيرها.
الحمد لله رب العالمين القائل : "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون" النحل :116
وصلى الله على نبينا محمد القائل : "بلغوا عني ولو آية فرب مبلغ أوعى من سامع" ورضي الله عن صحابته الأطهار الميامين الذين بلغوا دين الله - بكل وسيلة سنحت لهم- بلغوها للخاص والعام، وللحاكم والمحكوم، فرادى وجماعات- وبعد:
فمن المعلوم في الشرع أن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة لله ولكتابه ولرسوله وأئمة المسلمين وعامتهم – واجبة على كل مسلم مكلف- كل بحسبه- رجلا كان أو إمراءة فيجب على العالم وطالب العلم ما لا يجب على العامي، و من لا يعلم.
ويجب على الحاكم والمسؤول في دائرته ما لا يجب على غيره. ومن المتقرر عند أهل العلم والرأي أن وسائل التعبير اجتهادية غير توقيفيه.
وقد جد في عصرنا اليوم وسائل للتعبير لم تكن معروفة من قبل كـ( الرسم والتمثيل والتصوير الكاركترية أو بالصوت و بالصورة (يوتيوب) أو بأحدهما. أو القيام بالمظاهرات السلمية وعقد المؤتمرات والندوات والمهرجانات الخطابية في الميادين العامة أو عن طريق الهواتف الثابتة و النقالة ،والقنوات الفضائية والانترنت، والفيس بوك ، والتوتير. وغير ذلك من وسائل الاتصال المتعددة..الخ)
هذه الوسائل تضاف إلى ما كان معلوما شائعا في العصور الماضية وكتأليف الكتب ،ورواية الحِكَم والأمثال، والقصائد الشعرية .ونحو ذلك. كل هذه الوسائل القديمة والحديثة يمكن أن تستخدم لنشر العدل وتحقيق الأمن وتقرير الحق والدعوة للفضيلة. ويمكن أن تستخدم بعكس ذلك كترسيخ الظلم والاستبداد، وإيقاع الغش، والتحريش بين الراعي والرعية.
فإذا كانت الغاية شريفة والمقصد حسنا أصبحت الوسيلة واجبة أو مندوبة فحكم الوسيلة حكم غايتها.
وإذا كانت الغاية سيئة محرمة أو مكروهة، فوسيلتها مثلها . ولذلك تقرر عند العلماء قاعدة( الوسيلة لها حكم الغاية) لا كما يقرر في القوانين المدنية الوضعية أن (الغاية تبرر الوسيلة) وفرق بين الوسيلة في القاعدتين فالوسيلة في الأولى شرعية قرآنية أما في الثانية وضعية كفرية.
ولا يمكن في هذه العجالة الحديث بالتفصيل عن كل الوسائل السابقة ولكن سأقتصر على وسيلة واحدة منها وهي ( المظاهرات السلمية) نظرا لكثرة الحديث عنها في هذه الأيام ، بين محلل ومحرم. دون مناقشته لموارد الأدلة فيها وقد كثر الخوض في حكمها بعد الثورة الشعبية السلمية في تونس.. ومصر.. وليبيا.. وغيرها.
وكل هذه الثورات لم يسفك المظاهرون فيها دما ولم يشهروا سلاحا ولم ينهكوا نفسا أو يفسدوا شيئا من الممتلكات وسأقف عندها وقفات:
الوقفة الأولى:
المظاهرة السلمية : جمعها مظاهرات وفي (لسان العرب): مشتقة من ظهر الشيئ إذا بان واتضح، واستظهرت بفلان إذا استعندت واستنصرت به. والظهير: المعاون. والمظاهرة لا تكون عادة إلا من اثنين فأكثر. وفي الحديث :"إن الرسول صلى الله عليه وسلم ظاهر بين درعين يوم أحد" وفي ( المعجم الوسيط): (المظاهرة إعلان رأي وإظهار عاطفة بصورة جماعية) ومعنى كون المظاهرة سلمية يعني أنها لا ترفع سلاحا ولا تسعي لتخريب وليست خروجا على الوالي الشرعي. وجاء لفظ المظاهرة في القرآن الكريم في أكثر من موضع:
1-المظاهرة بين آحاد المشركين ضد المؤمنين كقوله تعالى :" إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتـقين" التوبة:4.
2-المظاهرة بين يهود بني قريظة والمشركين يوم الأحزاب قال تعالى:" وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا" الأحزاب:26.
3-المظاهرة بين المؤمنين أنفسهم وكما وقع بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض نسائه (عائشة وحفصة رضي الله عنهما)في قصة تحريم العسل على نفسه:" وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير" التحريم: 4.
الوقفة الثانية:
حرية التعبير: إن حق المسلم في حرية التعبير عن رأيه أكثر الحقوق التصاقا بحق الحياة. وعليه تعتمد أكثر التكاليف الشرعية في العبادات والمعاملات.
إن التعدي على حرية التعبير ظلم وإهدار لكرامة الإنسان و تقييدها و إلزامه: بتقليد الغير ووجوب التبعية له. إن الإنسان كما ولد حرا يجب أن يعيش حرا، إلا من عبودية الله وحده . حتى الرقيق الشرعي - تحت ولاية سيده له كرامته- ويتمتع بحرية الاعتقاد –والتعبد- والتفكير- والتعبير...الخ. ورحم الله الخليفة الفاروق يوم أكد هذا المفهوم عند محاسبته لأحد ولاته قائلا
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار!!؟).
إن حرية التعبير في الإسلام هي أساس الدعوة إلى الخير قال تعالى :" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون" آل عمران: 104. وأصول المعروف والمنكر منصوصة كلها في الكتاب والسنة ولكن أصنافها وأنواعها وأعدادها تتكاثر وتتسارع بتكاثر البشر وتوالدهم قال تعالى :"ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" الروم :41.
والمظاهرة السلمية أحد مظاهر حرية التعبير لأنها تسعى لإعادة حقوق الشعب المسلوبة و المتعدي عليها، كالمطالبة بمعالجة البطالة، وتأمين المقاعد الدراسية للطلاب في الجامعات، وتأمين السكن والعيش الهنيء للمواطنين، وتأمين سرير لكل مريض في المستشفى. فلحرية التعبير دور كبير في محاربة الفساد المالي والإداري في جميع أجهزة الدولة ومنع الموظفين كبارا وصغارا من الرشاوى وتبذير أموال الأمة واستغلال النفوذ لكشفهم وإحالة المنتهك لهذه الحقوق إلى القضاء. وما هذا إلا عين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يناسب الحال والزمان.
الوقفة الثالثة:
طاعة الحاكم المسلم:
طاعة ولي الأمر العادل:
-جاء في صحيح مسلم :"من أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني" وأخرج أبو داوود عن أبي موسى الأشعري:" إن من إجلال الله....... إكرام ذي السلطان المقسط".
-وفي حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه :" بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في السر والعلن. وعلى النفقة في العسر واليسر والأثرة، وإن لا تنازع السلطان أهله، إلا أن نرى كفرا بواحا عندنا فيه من الله برهان".
-وفي حديث عبد الله بن عمر عند مسلم قال رسول الله عليه وسلم:" على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة".
إن طاعة الحاكم والأمير أو الرئيس العادل بهذه النصوص وغيرها واجبة وجوبا قطعيا إذا أمر بمعروف و طاعة أما إذا أمر بمنكر أو معصية فلا سمع له ولا طاعة، كما في الحديث: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وقد جعل الله طاعة الحاكم المسلم قرينة طاعة الله والرسول بقوله:" يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم قي شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" النساء:59
ومن الملاحظ في الآية أن فعل ( أطيعوا) لم يكرر في حق (أولي الأمر) بل اكتفى بمجرد العطف فقط. وفي هذا دلالة على أن طاعة الحاكم أو السلطان والأمير- ليست مطلقة في كل ما يقوله أو يأمر به بل لا بد أن يكون أمره ونهيه موافقا لأمر الله و أمر رسوله.
كما يلحظ أيضا في قوله "فإن تنازعتم في شيء" أن التنازع فد يقع بين الحاكم والشعب أو يقع بينه وبين أحد أفراد رعيته خلاف ونزاع في حكم من الأحكام أو موقف من المواقف فالمرجع حينئذ قوله تعالى:" فردوه إلى الله ورسوله..." أي إلى كتاب الله وسنة نبيه على القول بتفسير ( أولي الأمر) في الآية بأنهم
الأمراء) دون العلماء: ( فيجوز لعامة الناس منازعة الأمراء في بعض الأمور وليس لهم منازعة العلماء المجتهدين فالناس لا ينازعونهم في أحكامهم) بل يرجعون إليهم :" فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون")تـفسير الأولوسي 5/66 .
وأكثر ما يقع الخلاف بين الحاكم وشعبه في سن قوانين قد يراها هو من المباح والمصالح المرسلة وهي في نظر العلماء ليست كذلك. وكلمة(شيء) في الآية نكرة في سياق الشرط تفيد العموم. أي إن تنازعتم في أي شيء قليلا كان أو كثيرا من أمور الدين أو الدنيا فردوه إلى الله ورسوله..
وقال الطوفي الحنبلي في كتابه (الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية2/28) فـ( الأمر في هذه الآية عام مخصوص بما إذا دعوا الناس إلى معصية أو بدعة لا تجوز طاعتهم للحديث:" إنما الطاعة في المعروف ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وقد امتنع كثير من أئمة السلف من إجابة الخلفاء إلى المناكر والمفاسد والبدع. وهم في ذلك قدوة، والآية المذكورة حجة لهم ) ا.هـ.
الوقفة الرابعة:
الأحكام التكليفية: الأحكام الشرعية التكليفية لا تخرج عن خمسة في المشهور عند علماء الأصول
الواجب- المندوب- الحرام- المكروه- المباح) ووجه ذلك أن التكليف من الشارع هو:أمر أو نهي، أو مخير بين الفعل والترك. والأمر الجازم أو غير جازم فإن كان جازما فهو الواجب أو غير جازم فهو المندوب. والنهي أن كان جازما فهو الحرام، أو غير جازم فهو المكروه. فهذه أربعة أحكام من حيث الثواب والعقاب وإن خير الشارع بين فعل شيء أو تركه فهو المباح لم يترتب عليه مدح ولا ذم. وهذا ما يعبر عنه أهل الحديث بـ( ما سكت عنه الشارع) كما في الحديث ابن عباس عند أبي داوود "...فبعث الله نبيه وأنزل كتابه وأحل الحلال وحرم الحرام فما أحل الله على لسان رسوله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو" فالمباح من حيث هو غير مطلوب الفعل أو الترك بخصوصه.
الوقفة الخامسة:
هل يجوز لولي الأمر تقييد المباح أو منعه؟
إذا أصدر ولي الأمر تشريعا أو نظاما يمنع فيه المباح أو يقيده بزمن كان يُـلزم الرعية بأكل أنواع من اللحوم دون بعض أو يأمر بأكل السمك دون الدجاج، أو البقر دون الغنم. أو السفر بالطائرة دون القطار. أو ركوب الدراجة دون السيارة. أو يلزمهم بلباس معين كالشماغ والعقال. أو يمنعهم من الحديث في أمور السياسة والتجمعات و المظاهرات السلمية فيما لا ضرر فيه. إذا قامت لطلب حق أو رفع ظلم. و كل هذه الأمور مباحة لأن الشرع سكت عنها. وهذه الأمور أيضا وفق القاعدة الشرعية استصحاب (البراءة الأصلية قبل ورود دليل الشارع) بأمر أو نهي يرتب عليه ثواب أو عقاب.
واختلف العلماء في طاعة ولي الأمر في - تقييد المباح أو منعه- في مثل هذه المسائل على قولين:
الأول: لا تجوز طاعة ولي الأمر في منع المباح أو تقييده ولو لفترة من الزمن لأن المنع أو التقييد تشريع. لا يجوز لأحد أن يحرم شيئا أباحه الله كما لا يجوز له أن يحلل ما حرمه الله سواء بسواء). (تفسير الألوسي 5/66).
بل هذا المنع والتقييد اعتداء على حكم الله قال تعالى:" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعبادة والطيبات من الرزق..."الأعراف:32 وقوله: "إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه.." يوسف :40 وقوله:" قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون"يونس:59 .
الثاني: وقال آخرون (يجوز للحاكم الشرعي منع الناس من فعل المباح أو تقييده ويجب عليهم قبوله) (تحفة الأحوذي شرح الترمذي 4/314) لأن فعل الحاكم داخل في لفظ (المعروف) الذي شرعت طاعته فيه كما في الحديث:" إنما الطاعة في المعروف" والمعروف : وهو ما أمر الشرع بفعله أو تركه أو أذن به. ولا يكون هذا إلا بدليل.
واستدل هؤلاء أيضا: بما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
1-لما بلغه أن بعض الصحابة تزوجوا كتابيات منعهم من ذلك وقال: ولله لأفرقن بينهم( قمنة حقرة) أي ذليلين حقيرين.
2-وفي عام الرمادة أوقف حد السرقة.
والقول الأول يظهر لي أنه أرجح من الثاني لوضوحه وكثرة أدلته وظهورها.
أما القول الثاني فهو مبني على أن (المباح) ليس من الأفعال التكليفية وإنما هو مورد التكليف للأحكام الأربعة (الواجب والمندوب والحرام والمكروه) وهذا التقسيم خلاف المشهور عند الأصوليين. ثم إذا كان (المباح) هو : الذي لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه. فإنه لا معصية في مخالفة ما أمر به (الحاكم العادل) لو قام بتقييد المباح أو منعه فرجع الاعتبار إلى القول الأول لحديث: "وما سكت عنه فهو عفو" والعفو هو المباح ولا معنى للعفو إلا رفع الإثم والمؤاخذة فيه .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه- رحمه الله- ( كل شيء سكت عنه الشارع فهو عفو ليس لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يكرهه أو يستحبه) ا.هـ فالمباح على قوله هذا ليس من أحكام التكليف.
وقال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله- (إن العلماء وجميع الدعاة وأنصار الحق أوصوا بتجنب المسيرات والمظاهرات التي تضر بالدعوة ولا تنفعها وتسبب الفرقة بين المسلمين والفتنة بين الحكام والمحكومين ) مجموع الفتاوى 7/344 .
فسماحته لم يعترض على المظاهرات السلمية وإنما منع المظاهرات غير السلمية وهي التي ينتج منها المفاسد والفتن وهذه حرام ولا شك.
والجواب عن الحادثتين اللتين استدلوا بهما من فعل عمر:
الأولى: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يمنع منعا عاما أو يحرم نكاح الكتابيات- وحاشاه عن ذلك. بدليل أنه لما سأله حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أحرام هو يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. ولكن أكره أن يقال نكح أحد صحابة رسول الله يهودية أو نصرانية. فهو في تعليله للمنع خاص بالصحابة فقط لما لهم من الفضل والمنزلة في صدور من يجيء بعدهم.
وأما الثانية: وهي : عدم إقامته حد السرقة -عام الرمادة- فليس منعا أو توقيفا لحد السرقة وإنما لعدم توفر شروط القطع تلك السنة نظراً للمجاعة والجدب الذي نزل بالأمة فلم يُـقم حد القطع لوجود الشبهة إبقاء للنفس حيث كانت معرضة للموت بسبب الجوع.
الوقفة السادسة:
أدلة المظاهرات السلمية:
1-الأصل فيها الإباحة والبقاء على البراءة الأصلية حتى يرد دليل خاص في المنع وهي وسيلة جديدة ولا يترتب عليها مفسدة لأنها سلمية بحته. ومتى ترتب عليها مفسدة فهي محظورة.
2-جميع آيات وأحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلها أدلة للمظاهرات السلمية كقوله تعالى:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله.... "آل عمران :110
وقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين :" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان "
ويجوز الاحتجاج على المنكر بسائر الجوارح ويقاس على اليد واللسان- كل وسيلة مناسبة كما قرره السلف والخلف في مصنفاتهم.
كما قرر العلماء إذا حضر جماعة مكانا أو حفلا فيه منكر ولم يستطيعوا أن يغيروه فيجب عليهم أن يخرجوا و يفارقوا المكان. وهذا هو عين الاحتجاج على المنكر وأهله .
3-حديث أبي هريرة عند أبي داوود والبخاري في (الأدب المفرد 1/216) قال:" قال رسول الله صلى اله عليه وسلم إن لي جارا يؤذيني فقال له أصبر - ثلاثا- فكرر عليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطلق فأخرج متاعك في الطريق. فأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه فقالوا ما شأنك؟ قال لي جار يؤذيني فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: انطلق فاخرج متاعك إلى الطريق فجعلوا يقولون: اللهم العنه. اللهم أخزه، فأتاه جاره فقال له: ارجع إلى منزلك فو الله لا أوذيك".
4-ومنها الحديث الصحيح عند أصحاب السنن أبو داوود (2/245) وابن ماجه (2/366) والنسائي في الكبرى ( 5/371)والحاكم (المستدرك 2/188) على شرط مسلم ووافقه الذهبي . وأخرجه ابن حبان في( صحيحه 9/499) وعبد الرزاق في (مصنفه 9/442) عن إياس بن عبد الله قال قال النبي صلى الله عليه وسلم:" لا تضربوا إماء الله فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله قد ذئـر(اجترأ) النساء على أزواجهن فأمر بضربهن. فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد طاف البارحة بآل محمد سبعون إمرأة كل إمراة تشتكي زوجها ثم قال : فلا تجدون أولئك خياركم"ا.هـ .
فإذا كان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم خرجن جماعات أو فرادى في ليلة واحدة يشتكين ضرر أزواجهن أليست هذه هي مظاهرة سلمية؟! فما الفرق بين هذا لو خرج اليوم أو غدا مثل هذا العدد أو أقل أو أكثر أمام وزارة الداخلية، أوزارة العدل، أو المحكمة الشرعية، أو دار الإفتاء، يطالبن بتوظيفهن أو رفع ظلم أوليائهن أولئك الذين يمنعونهن من الزواج أو خرجن يطالبن بإطلاق أولادهن أو أزواجهن الذين طال سجنهم مع انتهاء مدة الإحكام الصادرة بحقهم أو لم يحاكموا أصلا !! وإذا جاز هذا للنساء كما جرى في عهد النبوة فما الذي يمنعه في حق الرجال قولوا الحق يا رعاكم الله!!؟.
5-قال محمد بن حرب سئل الإمام أحمد عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه قال
يأمره قلت فإن لم يقبل؟ قال: تجمّع عليه الجيران وتهوّل عليه لعل الناس يجتمعون ويشهرون به) (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للخلال صـ117)
الخلاصة: وملخص القول في طاعة ولي الأمر إذا أمر أو نهى عن شيء مباح إن كان الأمر والنهي متوجها على فرد بذاته كأن يمنعه من السفر أو أن يتزوج من خارج البلاد ونحو ذلك. فهذا جائز وعليه السمع والطاعة لولي الأمر . أما إذا أصدر الحاكم تنظيما أو تعميما أو قانونا يمنع فيه عامة الشعب من شيء هو مباح بأصل الشرع فإن هذا تقييد لحرية التعبير.
والمظاهرة السلمية يجب أن تنضبط بالضوابط الشرعية:
1-أن تكون المطالب مشروعة وعادلة فإن تضمنت مفسدة أو حراما فلا تجوز.
2-ألا تؤدي المظاهرة إلى منكر آخر يساوي أو يزيد عن المنكر الذي خرج المتظاهرون لتغييره .
3-ألا يصحب المظاهرة ترك واجب كصلاة الجمعة أو الجماعة أو تشتمل على اختلاط محرم بين الرجال والنساء.
4-ألا تتسبب بإلحاق ضرر في الأنفس والممتلكات.
فالمظاهرات السلمية التي لا تشهر سلاحا ولا تسفك دما ولا تتعدى على الأنفس والممتلكات المعصومة- جائزة شرعا. والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد.