هدئــــة على ضفـــاف الأستـــــاذ (عبد الباري)

ووقفت بين يديك... لأروي للدنيا حكاية لم تبدأ بعد .. ولم تنتهي, هي ماضٍ الِق
وهي من ما خبأ الغد في أكناف القدر القادم, هي عبرة الزمن الجامد في حركة الانطواء تحت
لواء لا يرفع, وهي معالم الشهرة في إعلان الانظواء في كهف يخلو بنفسه بعيداً من مرأى
من لا يرى.. هي محبة من أكره على الحب, وقلبٌ في من لم يتعلم كيف يحمل القلب, هي
عنفوان من مشاعرٍ أختلجت في نفسٍ واحدةٍوأختلطت ببعضِها فلم تعرف بعضَها, وهي أحاسيس
باردة في شتاء أتى على غير وقته, هي أستثارة الروح من براثن موتها المتغلغل في أحداقها, واعتبارٌ
من ما لم يحدث بعدفي عالمٍ متوقف.. إنها فلسفات متجردة من التجرد أتت لتوضح ما أبهم من غباء, هي
كذب على الصدق بقولٍ صادق, وهي لملمة لشتات غاب في متاهة لملمته, عتبٌ على من أُعدم
السبب وعتب على معاتبته, فهي لعمري معاتبة العتب.. هي حكاية حيكة لتحكى فتشابكت خيوطها وازدادت
الوانها وتغيرت ملامح رسمها مع تغير اللحظات المتنازِعة على عتبات الخلاص... هي أحرف تلهج بالصمت
وأصوات في فراغ ممتلئ بنفايات السكوت.. هي رقم أبى إلّا أن يراهن على الاصفار المختبئة في كنانة النقط
المتناثرة , وهي الصفر الذي يبدأ منه العظماء المترامون في زوايا التاريخ يُفرِحون من لم يعرف الفرح.... الا سُمعة من أفواء مفغورة!!!

يــــــــــا عَالَمَاً نرجسي غاب في عَلَم ... وعبرة ذٌرِفت من أعين الاممِ
وها أنا فيك أبدأ حكايتي... ودعني هنا أهوي بالجَنان في معراجك الرحب, فأنثره محاولاً إبداء
ما أقدر على إبداءه منه.. ولعلّي لا أحسن, فلا أظهر ألا قليله!!!

حضورك..
كان مثلك.. بل هو أنت... وصل دون برستيج معروف, ولا طقوس عافها زمن كزمن
عينيك, دون طقطقة لحظات العد التنازلي أو تكلّف صياغة الكلمات المصطنعة من ورق
هش للتّقديم المهيب... ببساطة ملئها الصفاء, وانسلال ملئه المبادرة... كغيم الصيف المتعجل
نحو حقول أتعبها الجدب, ينسل أليها دون أذان منه بقدومة, أو كسيل منهمر من أعلى الوادي
لا يعرف من في أسفله أنه آت .. ظاهر دون عناء الانتفاخ بريش مزخرف بألوان السحر, بيّن
دون تبجيل السواد الملتهب بالانطفاء... هكذا كان.. لم يعرف الا الوصول, فابتدأ منه بداية
مصباح أنير فأضاء!! هو حضورحاضر بالحضور وحسب..

أنت..
لقيتك ذات ظهيرة متربع على عرشك المنصوب في قرارتك, متكئ ترسم العالم بعينين منتبهتين
ملئهما حماسك, تشخص الى كل شيء فتراه عالمك الذي رسمت, غايتك اللتي وصلت, حياتك اللتي
عزمت وحلم عامر في قمة تتعالى كل مساء... سلّمتُ مع أبي وأنا أقف على شاطئك المنفعل بأمواجه
المتلاحقة,وبقيت أنظر الى سكناتك المتتالية وحركاتك المتعالية محاولا تفسير هذا النوع الغريب من
بني البشر... على حين غرة ودون سابق إنذار, يلتطم بجدران عقلي المفعم بالسكون - حينها - سؤال منك,
فيبعث تركيزي من سباتة ليقرع أجراس أنتباهي ويفتح أبواب ذاكرتي لتخرج من أدراج غرفها الملتوية
ملفات جدول الظرب الذي لا يتغير... إبتسامة من فمك المليء بقواميسك الخاصة, وكلمتين من صفحاتها,
نصبتني ملكاً في مملكة النجاح الطفولي العتيدة.. وسؤال آخر لم يسألنيه أحد قبلك.. بصوتك المستنفر وكلماتك
المتجهة كسهام من جيش قد أحاط بالنصر قبل بدء المعركة: ( وش شا تقع؟) وتغلغل السؤال في ذاتي الصغيرة
راسماً بُعد الحياة الكبير ومجلّياً شيأً مما تخفى عني من صورة الدنيا المتجة نحوي... عندها عرفتك.. وها أنا
بعيداً عنك, أقف بين يديك محاولا فك رموز شخصية فَكَّت رموزها أرواح وقلوب..

هدئة أخرى على ضفاف حبك...
ذكرك الطيب.. كريح مسك سكب على حرير فاخر لا يقدر بثمن, صوتك الرخم.. أنداءٌ من وجد سنين
العصر الذهبي الخالد, حماسك الصادق.. بوح عن الحلم العربي الماجد, لمحة عينيك.. أيشاء بسر الحب الابدي
الساكن, التفاتتك الجريئة .. إعلان عن شجاعة المؤمن القوي المتغلب على محيطة المتهالك, إبتسامتك الحانية..
صفاء من أكدار الزمن القذر, كلماتك المتسارعة.. قول للحق وسخرية من واقع مخجل وزرع للبسمة في الوجوه
الشاحبة باليأس..

صديق صدوق صادق الوعد منصفا...
الوفاء.. كان حدودك اللتي لم تقبل التنازل عنها في مفاوضاتك مع الزمن الباهت.. هو روحك الساكنة بين جنبيك, هو
لونك الممتزج بشخصيتك النادرة, سماء من صفاء الحق ووهج من نهج الصدق وعبادة من عقيدة راسخة وإيمان
سكنت جذوره في أعماق الثبات, لك مسيرك الخاص, والناس يمشون.. ولك زمنك الاوحد والناس يعيشون, وبقيت
تحمل رايتك معلنا مكانك في التاريخ المعاش...

وهنا حسبي والكلمات .. فقد القت اوزاها بسرعة البرق.. لم تستطع تحمل ثقلك الرهيب... ودعني القي على الصمت
نظرة .. فقد أجد فيه ما أبغي لأرتد نحو الاحرف الهائجة شوقاً إلى لقائك..

يتـبــــــــــــــــــــــــــــــــــع (إن شاء الله)>