أصبحت لدي طقوس يومية في البلكونة بسبب نبتاتي الموضوعة فيها.. أخرج كل
صباح لنشر دفعة من الغسيل وري النباتات واللعب مع ابني ومع القط وشرب الشاي المنعنع..
أخرج دائما بإسدال الصلاة الموف لأنه الأسهل والأكثر ملاءمة.. ومن هنا اتابع طقوس أخرى
في بلكونات أخرى..
في إحدي البلكونات المقابلة يخرج مراهق ضاقت عليه غرفته ليدخن السجائر وحسب.. لا
شاي ولا قهوة ولا كتاب ولا حتى كرسي يجلس عليه.. يقف مائلا للأمام ويدخن في استمتاع
يصلح لأجدع إعلان للحض على التدخين.. عادة ما يكون الوقت عصرا.. أو تقريبا في وقت
قليلولة الوالدين.. أعرف من السلك الخارج من غرفته بأننا نشترك في شبكة إنترنت واحدة..
أحاول أن ابحث له في البلكونات الأخرى عن فتاة يحبها ولا أجد..
أما في البلكونة التي تقع تحتي فهناك ملابس صغيرة دائما معلقة على الأحبال.. هي لطفلة لم
تتجاوز السنة بعد.. الملابس معظمها بمبى وكثيرة الكرانيش.. تشبه ملابس دمي الأطفال..
عندما تنشر جارتي الغسيل يحدث الأمر على عجل.. فعلى الأرجح البنت نائمة.. أو تلعب ب
الجوار والأم تخشي عليها من إبذاء نفسها.. لكم أود أن أنادي عليها مرة وأقول لها أنني أعرف
ما تمر به وأعرفها على ابني وأمازحها وأقول لها إن غسيلها زي الفل.. لكني لا أفعل هذا أ
بدا..
وفي بلكونة أخرى مقابلة يخرج رجل عجوز وزوجته لإحتساء القهوة.. عادة ما تكون أمامهما
سجادة تتشمس أخرجتها الخادمة ذلك الصباح.. وعادة أيضا لا تطول جلسة السيدة لإنها فيم
يبدو تشكو آلام الظهر.. ويستمر الرجل في الجلوس حتى انتهاء الفنجان ويدخل.. غير ذلك
تصخب البلكونة بعمل الخادمة النشيطة من تنفيض وتهوية وسائد ونشر غسيل إلخ..
لا يوجد في معظم البلكونات أي نباتات أو عصافير، بل معظمها مترب أو غير مستخدم..
والغسيل أحيانا ما يستقر على الأحبال لأيام وأيام.. ربما تعمل ربات تلك المنازل ولا يجدن
وقتا لاستخدام البلكونات...مشفقة أنا على الكل اليوم.. على من يتركن بلكوناتهن هكذا لضغوط
العمل، وعلى من تهتم بها مثلي بفعل الوحدة..
بلكونة أخري يقف عليها عصفور حيران.. في فمه قطعة خبز لا يدري أين يذهب بها.. يحلق
جيئه وذهابا ويقف على التكييف المجاور لبلكونتنا.. اتركه يأكل في سلام وأضع له جرعة ماء
بجوار نباتاتي وأدخل لأكمل يومي..