العربــ العربي ــي رئيس مجلس الإدارة
تاريخ التسجيل : 20/04/2009 العمر : 62
| موضوع: سيرة عنترة بن شداد السبت يونيو 19, 2010 1:55 am | |
| سيرة عنترة بن شداد إلياذة العرب http://www.alarabimag.com/arabi/Data/2008/1/1/Art_81975.XML
يسجل مؤرخو الملاحم الشعبية «سيرة عنترة» بين روائع الملاحم الشعبية، ليس على الصعيد العربي فقط، بل باعتبارها من الموضوعات الرئيسية في الأدب العالمي.وقد اشتهر أمر عنترة - كما يلاحظ المؤرخ فيليب حتي «تاريخ العرب» - في حرب البسوس، وهي أقدم الحروب وأشهرها، وقد شبه المؤرخ عنترة - شاعرًا ومحاربًا - بأخيل، كرمز لعصر البطولة العربية.
أخلاق الفرسان
اشتهر عنترة بقصة حبه لابنة عمه عبلة، بنت مالك، وكانت من أجمل نساء قومها في نضارة الصبا وشرف الأرومة، بينما كان عنترة بن عمرو بن شداد العبسي ابن جارية فلحاء، أسود البشرة، وقد ولد في الربع الأول من القرن السادس الميلادي، وذاق في صباه ذل العبودية، والحرمان وشظف العيش والمهانة، لأن أبيه لم يستلحقه بنسبه، فتاقت روحه إلى الحرية والانعتاق.
غير أن ابن الفلحاء، عرف كيف يكون من صناديد الحرب والهيجاء، يذود عن الأرض، ويحمي العرض، ويعف عن المغنم:
ينبئك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم
وعنترة (كمثال لأخلاقية الحرب والنبل والشهامة والحميّة)، استحق تنويه النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - عندما تُلي أمامه قول عنترة:
ولقد أبيت على الطوى وأظلّه حتى أنال به كريم المأكلِ
فقال الرسول: «ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة». ويقول صاحب الأغاني: «قال عمر بن الخطاب للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف فارس حازم. قال: كيف يكون ذلك؟ قال: كان قيس بن زهير فينا، وكان حازمًا فكنا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم. وكان فينا الربيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عروة بن الورد فكنا نأتم بشعره... إلخ».
ولعل في هذا المثل السالف آية وعلامة على «فن الحرب» الذي كان يعتمد في العصور القديمة على الرأي والاستراتيجية والقيادة الحكيمة، والشعر (التعبئة) والقوة القائمة على العنف والغلبة.
وقد قيل لعنترة: أأنت أشجع العرب وأشدها؟ فقال: لا. فقيل. فبماذا شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزمًا، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزمًا، ولا أدخل إلا موضعًا أرى لي منه مخرجًا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة التي يطير لها قلب الشجاع فأثني عليه فأقتله.
وهذه الآراء تؤكد اقتران الحيلة والحنكة في فن الحرب عند عنترة وأقرانه في عصر السيف والرمح والفروسية.
لا مراء في أن عنترة كان أشهر فرسان العرب في الجاهلية، وأبعدهم صيتًا، وأسيرهم ذكرًا وشيمة، وعزة نفس، ووفاء للعهد، وإنجازًا للوعد وهي الأخلاقية المثلى في قديم الزمان وحديثه.
ابن الأَمَة
بالرغم من هذا، فقد خرج عنترة في كنف أب من أشراف القوم وأعلاهم نسبًا، ولكن محنته جاءته من ناحية أمه «الأَمَة» ولم يكن ابن الأمة يلحقه بنسب أبيه إلا إذا برز وأظهر جدارته واستحقاقه للحرية والعتق، والشرف الرفيع، وهذا ما حصل في حال عنترة الذي اشترى حريته بسيفه وترسه ويراعه (لسانه) الشعري، وأثبت أن الإنسان صانع نفسه، وصاحب مصيره، بغض النظر عن أصله وفصله، وجنسه، ولونه وشكله.
يقول عنترة:
لا تسقني ماءَ الحياة بذلةٍ بل فاسقني بالعز كأس الحنظَلِ ماءُ الحياة بذلةٍ كجهنم وجهنم بالعزِّ أطيب منزل
وكان شعر عنترة صورة مثلى عن شمائله، ومناقبه. بالرغم مما يقال عن رفض ذوي عنترة تزويجه من عبلة لتشبيبه بها، وذكرها في قصيده، بحيث كانت هي البطلة الدرامية لمعلقته، وكانت صورتها ترتسم على صفحة السيوف في وطيس المعارك:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
هل تزوج عنترة عبلة بعد أن كرّ فأصبح حرًّا، وبعد أن دارت الدوائر على بني عبس؟
رأى البعض (عمر الدسوقي، «الفتوة عند العرب»)، أن عنترة لم يتزوج عبلة، بل تبتل في محراب حبها، وأن أباها وأخاها منعاه زواجها فأبيا عليه مصاهرتهما، لتشبيبه بها، وأنها زوّجت أحد أشراف قومها، وزفّت إليه رغمًا عن عنترة.
ويميل آخر من «ديوان القرشي» إلى الرأي القائل إن عنترة تزوج عبلة بعد أن زالت عنه هجنة النسب، وأصبح ابن عم لعبلة بآصرة القرابة الوثقى، وحجة هؤلاء أن شيم عنترة وبداوته تأنف التغزل بمن زُوجت لغيره، وألحقت بكنف سواه. ولو كانت متزوجة من غيره، لما تغزّل بها إلى درجة لا تكاد تخلو قصيدة من قصائده من ذكرها، يقول عنترة:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يوارى جارتي مأواها إني امرؤ سمح الخليقةِ ماجدٌ لا أتبع النفس الجنوح هواها
وهناك موشح أندلسي ينسب إلى عنترة وفيه قوله:
لو كان قلبي معي ما اخترت غيركم ولا رضيت سواكمو في الهوى بدلا لكنه راغب في من تعذبه وليس يرضى لا لومًا ولا عذلاً
وهذا البيت الأخير يؤكد هيمان عنترة في مَن يحب وتعذّبه، وقد كانت عبلة وظلت الأثيرة في حياته وحتى مماته. وقد انتهت حياة البطل عنترة بعد أن بلغ من العمر عتيًا، ويشبه مماته ميتة أخيل، كفارس يقاتل في التسعين من عمره، في كبره، ومات مقتولاً إثر رمية سهم، وكان الذي قتله يلقب بالأسد الرهيص من قبيلة طيء. وكان لامارتين الشاعر الفرنسي معجبًا بميتة عنترة الذي ما إن أصيب بالسهم المسموم وأحسّ أنه ميت لا محالة، حتى اتخذ خطة المناضل - حتى بعد مماته - فظل ممتطيًا صهوة جواده، مرتكزًا على رمحه السمهري، وأمر الجيش بأن يتراجع القهقرى وينجو من بأس الأعداء، وظل في وقفته تلك حاميًا ظهر الجيش والعدو يبصر الجيش الهارب، ولكنه لا يستطيع اللحاق به لاستبسال قائده البطل في الذود عنه ووقوفه دونه، حتى نجا الجيش وأسلم عنترة الروح، باقيًا في مكانه، متكئًا على الرمح فوق جواده الأبجر.
فن الحكواتي
وعن مثل هذه الرواية، نُسجت حكاية عنترة وسيرته في فن الحكواتي، وملاحمه، وتوسعت سيرة عنترة، وأصبحت كـ «ألف ليلة وليلة» سيرة سردية كبرى، أضاف عليها المخيال الشعبي حكاياته عبر القرون. يرى د.عبدالحميد يونس أن السيرة استغرقت خمسة قرون وأكثر حتى تكاملت في سيرة جامعة، ويعني هذا الرأي أن «سيرة عنترة» أصبحت ملك الحكواتي وكاتبي السير الشعبية والأدبية من الرواة والإخباريين. ومع أن الرواية لعبد الملك الأصمعي وهو أشهر رواة «سيرة عنترة»، غير أن السيرة تراكمت واتسعت حتى قيل إن راويها من المعمّرين، وإنه عاش ما يقارب من سبعة قرون.
ولاحظ مارون عبود (كتاب «أدب العرب»). أن الكبت ومركب النقص كانا عاملين من العوامل التي أثرت في شخصية عنترة، وأججّت طموحه إلى المجد والشعر والفروسية، وقد عوّض عقدة النقص، بعد أن مُست كبرياؤه بأفعاله وشمائله وشجاعته، ومناقبه التي حوّلت النقص إلى «عظمة» ومجد وتعالٍ Transcendence.
إني امرؤ من خير عبسٍ منصبًا شطري وأحمي سائري بالمنصلِ ولقد أبيتُ على الطوى وأظلّه حتى أنال به كريمَ المأكل
في رفضه لفرضية الأصل الجنسي للعصاب يربط أ. أدلر دينامية الشخصية بمفهوم إرادة القوة عند نيتشه، باعتبار أن اللذة هي تعبير عن إرادة القوة والاقتدار، وهدفها الغائي لا يقوم على الإشباع الجنسي المحض، بل على تمجيد الشخصية.
ويعتقد أدلر بوجود غريزة في الذات الإنسانية اسمها «غريزة التفوق» أو «عقدة التفوق Complexe de superiorite مقابل عقدة الدونية، أو الضعة complexe d'inferiorite، الأولى تقوم على الرغبة في التقدير، التفوّق، والتجاوز، تجاوز الذات لتأكيد الكينونة، وهي تقوم على الرغبة بتحقيق الذات والتقدير الاجتماعي، في مقابل عقدة الدونية.
يقول الشاعر أبو العلاء المعري:
لو لم تكن في القوم أصغرهم ما بان منك عليهم كبرُ
ذلك أن الإنسان الصغير في جسمِهِ، أو الدميم في وجهه، أو «الحقير» في مقامه، أو الذي يحس صغارًا لعيب ما يتخذ أسلوبًا تعويضيًا كي يستر هذا النقص أو المركّب complexe الذي وُلد معه أو أحدثته ظروف اجتماعية معينة.
والنقص أنواع مختلفة، فقد يكون أنفًا ضخمًا، أو قصرًا مفرطًا، أو نحولا إلى درجة الهزال، أو شوهة جسيمة ما... إلخ.
وفي كل هذا تحاول النفس، على غير وجدان، وبلا دراية أن تعوّض هذا النقص كمالاً، أي تجعل من عقدة الدونية إحساسًا تعويضيًا بالعظمة والرفعة والسمو والتعالي. ومن الأمثلة على مركب النقص التي أدت إلى النبوغ والكفاءة ديموستينوس الخطيب الألكن الذي أصبح خطيبًا عظيمًا، تيمورلنك الأعرج، وكافور الخصي، بيتهوفن الأصم.
عقدة الدونية
وإذا كانت عقدة الدونية، في الحالة السلبية، تؤدي إلى التجاوز التعويضي بالنبوغ وتحقيق الذات والكينونة، فإنها تؤدي في حالات أخرى إلى العصاب والانكفاء والضعة والجريمة (هتلر، الحجّاج، صدام حسين، ستالين.. إلخ).
وقد أثرت سيرة عنترة على كل الفنون، كالحكاية «الحكواتي خاصة»، والرسم الشعبي، والشعر، والغناء والموسيقى.
وتناول الرسم الشعبي «أبو صبحي التيناوي، يوسف حرب، وغيرهما»، سيرة عنترة باعتبارها رمزًا للبطولة والفروسية والإخلاص في الحب، ورفض العبودية والعنصرية والسعي وراء العدالة الاجتماعية والمساواة وتحقيق الذات.
وقد حفظت سيرة عنترة، العامة والخاصة، على حد سواء، ورواها الأجداد، وحظيت باهتمام الكتّاب والشعراء والفنانين والرسامين. وأصبحت قيمها الاجتماعية والأخلاقية هي قيم البيئة العربية والأمة العربية. والرسام الشعبي صوّر هذه السيرة، ورسم بطلها يصارع الأعداء من أجل الحق والحرية، وفاء لهذه المعاني وإكرامًا لبطلها، وتلبية لرغبة الشعب العربي. فهي تعالج موضوعًا اجتماعيًا يتمثل في الدفاع عن موقف «العبد» الذي يحقق سيادته بسيفه فيحوّل العبودية سيادة وحرية.
وعنترة، الشاعر، ثبت جودة قريحته، كما برهن على قوة نصله وسيفه، بحيث علّقت معلقته على أستار الكعبة.
والعربي يرى في عنترة قصة العبد الذي صارع من أجل تحقيق الذات والمساواة بينه وبين الآخرين بحكم ميزاته الشخصية - لا أصله وفصله - وبحكم مشاركته في تحمّل المسئولية في الهيجاء والحروب، وهو العبد الذي حكم عليه بالحلب والصر والرعي «كرمز للعصامية».
وعنترة بطل، رمز للبطولة، والشجاعة، والإخلاص، والحب، والصدق، والشهامة، والفروسية، وقد صوّر الرسام الشعبي العربي عنترة، بطل هذه السيرة إلى جانب أبطالها الآخرين «عبلة، شيبوب»، فظهر عنترة في هذه الرسوم فارسًا أسود اللون يمتطي دائمًا ظهر جواده «الأبجر»، ويظهر بالزي الميداني، والشارب الطويل، مجهزًا بالنبال والرماح والخناجر، حاملاً بيده رمحه، ومنطلقًا نحو الهدف.
حصاني كان دلاّل المنايا فخاض غمارها وشرى وباعا وسيفي كان في الهيجا طبيبًا يداوي رأس مَن يشكو الصداعا
ويظهر أحيانًا مقاتلاً يضرب بسيفه عدوه عبد زنجير، وأحيانًا وهو يصارع ملك الجان، أو يقطع برمحه رأس الثعبان (رمز الشر).
إلى جانب هذه الرسوم يسجل الرسام ألقاب عنترة وأسماء مرافقيه «عنترة أبو الفوارس، عبلة، شيبوب..إلخ»، وتُزين اللوحة بشيء من شعره - شعر الفنان الشعبي (من الرجال سلاسل وقيود وكذا النساء خلاخل وعقود).
وعبلة، في هذه الرسوم امرأة جميلة، مزدانة بالحلي والعقود، متألقة بالزي البدوي، تارة تظهر على حصان، وتارة على جمل داخل هودجها.
وتظهر في بعض الرسوم كأنها رمز الأنوثة حاملة بيدها تفاحة حواء، وفي البعض الآخر رمز للمحبة والصداقة تقدم لزبيدة زوجة هارون الرشيد (...) باقة من الزهور. إلى جانبها يُكتب «عبلة ابنة مالك» وأسماء الصحابة والمرافقين.
أما عنترة وعبلة في رسم واحد، فيظهران وكأنهما في عرس، هو على الحصان وهي في الهودج، ومعهما مرافقون وخلفهما رموز شعبية «أفعى، نخيل، كف، أسد، طيور، زهور...».. إلخ.
أصداء فنية
وقد اتخذ الفنان اللبناني رفيق شرف «1982 - 2004» من سيرة عنترة موضوعًا لأعماله التشكيلية المتنوعة، برؤية حداثوية جديدة. وفي أوائل السبعينيات اختار شرف السير والقصص الشعبية - وعلى رأسها سيرة عنترة - موضوعات لأعماله التشكيلية، تعالج سيرة عنترة في لوحات زيتية رائعة، وكانت مرحلة من أهم المحطات الفنية التي مر بها، وهذه المرحلة الفنية عُرفت بمرحلة «عنترة وعبلة»، أو مرحلة الفن الشعبي عند شرف. وقد حافظ الفنان في هذه التجربة على بعض الخصائص التي امتاز بها التصوير الشعبي، فأهمل المنظور والتشريح، وضخّم من طول الشنب، وأبقى على حاجبي الوجه يتصل كل منهما بالآخر وكبّر العينين، وأبرز العناصر الرئيسية في اللوحة، إلا أنه ألغى المصطلحات الطبيعية والزخرفية والكتابة على خلفية العمل.
أعماله في هذا المجال، كانت رمزية تعبيرية، فيها تقنية عالية، ومعالجة لونية حديثة. لقد نقل الفنان شرف الموضوع التراثي (سيرة عنترة) إلى مستوى العمل الفني التشكيلي الحديث العالمي، - كما فعل بيكاسو باستلهام الفن الشعبي الزنجي - وضمنه معاني جديدة، وأدخل على اللوحة تقنية جديدة، وألوانًا زيتية، وحبرًا صينيًا، استعملها في رقش الزخارف الشرقية.
وقد ظهرت العناصر في لوحة رفيق شرف متكاملة، لونًا وخطا وتوزيع مساحات، فاللون زاه حي، وهو اللون العربي - الإسلامي الصافي، والخط ليّن وجميل ورائع.
وقد ظهرت تجربة شرف الفنية، في إطار النهضة النقدية ما بعد هزيمة يونيو عام 1967. يقول شرف: «استلهمت من التراث ما يفيد تشكيليًا، هادفًا في الوقت نفسه إلى إحياء روح الكرامة والبطولة في الإنسان العربي المهزوم بعد حرب يونيو عام 1967... أنا ملتزم في إطار استلهام التراث حتى الآن. التزام بمعنى الشعور بأهمية تراثنا والبحث التشكيلي فيه، وهو من جانب آخر التزام بأصالة الروح وتاريخها وحضارتها، إنه بالنسبة إلي التزام ذاتي».
جميل قاسم (مجلة العربي) يناير 2008م | |
|
المولعي عضو نشيط
تاريخ التسجيل : 11/09/2010 العمر : 50
| موضوع: رد: سيرة عنترة بن شداد الإثنين سبتمبر 27, 2010 2:25 pm | |
| شكرا لك على هذا الإختيار وهذه الملحمة التاريخية لشخصية عنتره وحقبة من التاريخ القديم لك كل الحب والتقدير | |
|