لقد كانت رحلة اسطول الحرية صعبة وشاقة بمعنى الكلمة على كل من شارك في هذه
البطولة العظيمة ، وقد بدأت مشقتها من اول يوم ، وقد لا تتصوروا كم بُذل من جهد من
قبل المنظمين لتلك الرحلة وتجهيزها ، صعوبتها تكمن في مواضع عدة ، اولها جمع اكبر
عدد للمشاركة في تلك الرحلة واقناعهم بأن هذه الرحلة ليست كما الرحلات السابقة ، وتكمن
في خطورتها على انها سوف تلاقي مصاعب جمة ومنها مجابهة الجيش الأسرائيلي ،
والثانية في نجاحها وهو المطلوب لكسر الحصار الجائر والمجرم من قبل الصهاينة على
قطاع غزة وشعبها ، لم يكن يحسب للمصاعب الأخرى مثل ما حُسب لنجاح الرحلة ، وكانت
هناك مصاعب لا تقل صعوبة وخطورة عن ما ذكر ، وتكمن كذلك في اقناع الشعوب الغير
عربية لتبني قضية شعب عانا الأمرين من الحصار والتنكيل من قبل الصهاينة والعرب
المتخاذلين ، ولكن كل ذلك كان يسير على ما يرام لأن كل الأمم والشعوب تؤمن بقدسية
هذه القضية الأنسانية التي هزت كيانهم اكثر من كياننا يالعرب ، وقبلوا ركوب المصاعب
رغم علمهم بصعوبة هذه الرحلة ، خاصة ان الكثير من النساء والشيوخ الكبار في السن
جعلوا من هذا المبدأ انطلاقاً لرحلتهم ، سارت الأمور كما يراد لها حتى وصلنا الى ساحة
المعركة عندما تقطعتنا السفن الأسرائيلية في الفجر الباكر ، وهنا كلاً شعر بأنها الحاسمة
يالحياة يالموت ، حامت علينا الطوافات ، وبدأ الأنزال للجنود على السفن وكنا متماسكين
وكانت الهمة عالية بين الجميع ، وانا كنت بجانب الشيخ محمد الحزمي وكنا الوحيدين
المسلحين بالخنجر اليمني ، ولم نتصور ان ذلك الخنجر سيكون سلاحنا في وجه الصهاينة ،
ابتدأ الأنزال وبدأ الشيخ الحزمي يمسك على رأس الجنبية وعملت مثله مسكت بجنبيتي وعند
هبوط الجنود على سطح السفينة استلينا جنابينا من اغمادها ( الأجهازة الجفير ) ولكني
صرخت بأعلى صوت ( اليوم نهايتكم ياصهاينة ياجبنا ) ولكن الجندي صوب سلاحه
واطلق النار على زميلنا التركي وأصابه بين عينيه وقتل الكثير من الزملاء ، وهنا كانت
صرختي المدوية حتى تلاجبت اركان الغرفة على اثرها صحيوا جميع العيال وهم يقولوا
( سلامات يابابا ) شو صار لك ، وصحيت من نومي مذعور اتحسس بيدي جرة الماء
ورشفته وانا اقول اللهم اجعله خير ، الحمدلله على سلامة راسي ( والعيال يقولوا سلامة
ايه وانت راقد يابابا ) وهنا ايقنت بأن الحلم ليس كما الحقيقة ، والكلام يختلف عن
الأفعال ، ووزراء العرب يختلفون عن وزراء تركيا ، وبرلماتنا تختلف عن برلمان
الجمهورية التركية ، وشعوبنا تختلف عن شعب تركيا وشعب اندنوسيا ، ومظاهراتنا تختلف
عن مظاهرات الشعوب الأخرى ، ورئيس فنزولا وتركيا يختلفوا عن الرؤسأ العرب ،
وموقفنا يالعرب تختلف عن مواقف تركيا حيال هذه القضية التي يدمي لها القلب ، عاشت
الشعوب الحرة ولا بقى للشعوب الجبناء ، وانا لله وانا اليه راجعون .
( في الصميم )