المنتدى العربــي منتديــات كل الـعـرب
قصة موت الضمير 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك في المنتدى العربي منتديات كل العرب
شكرا قصة موت الضمير 829894
ادارة المنتدي قصة موت الضمير 103798
المنتدى العربــي منتديــات كل الـعـرب
قصة موت الضمير 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك في المنتدى العربي منتديات كل العرب
شكرا قصة موت الضمير 829894
ادارة المنتدي قصة موت الضمير 103798
المنتدى العربــي منتديــات كل الـعـرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ثورات الشعوب ليست ضد الاستعمار فحسب بل ضد الانظمة الفاسدة التي هي امتداد للأستعمار بأيادي داخليه
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

» نـــفـحـــــــــــات رمــــــــضـــــــانــــــــــيـةقصة موت الضمير Emptyالإثنين يونيو 05, 2017 12:29 am من طرفابوعماد» مناجاة رمضانية قصة موت الضمير Emptyالإثنين يونيو 05, 2017 12:27 am من طرفابوعماد» الوحده اليمنيهقصة موت الضمير Emptyالجمعة مايو 23, 2014 6:26 am من طرفابوعماد» الوحده اليمنيه في التاريخقصة موت الضمير Emptyالجمعة مايو 23, 2014 6:22 am من طرفابوعماد» على كل حال تحياتي لسعادة المدير ابو عمادقصة موت الضمير Emptyالأحد نوفمبر 17, 2013 7:26 am من طرفالمتميز» الشيخ/ظيف اللةمحمدعبدالرحمن الظبيانيقصة موت الضمير Emptyالأحد أكتوبر 13, 2013 4:14 am من طرفاميرباخلاقي» اسمحولي على الغياب الطويلقصة موت الضمير Emptyالأحد أكتوبر 13, 2013 4:00 am من طرفاميرباخلاقي» اجمل ترحيب بالاخ عبدالوهاب عبدالكريمقصة موت الضمير Emptyالثلاثاء أبريل 23, 2013 12:18 pm من طرفebraheem algobany» تصعيد مسلح في الحصبة يُهدد بحرف مسار مؤتمر الحوار الوطني الشاملقصة موت الضمير Emptyالخميس مارس 28, 2013 12:36 pm من طرفالجبني 2011» الرئيس السابق " صالح " يحارب وقت الفراغ بافتتاح صفحة رسمية على موقع ( فيسبوك )قصة موت الضمير Emptyالخميس مارس 28, 2013 12:31 pm من طرفالجبني 2011

 

 قصة موت الضمير

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الهاشمي
مشرف المنتدى العام
مشرف المنتدى العام
الهاشمي


تاريخ التسجيل : 22/05/2009
العمر : 44

قصة موت الضمير Empty
مُساهمةموضوع: قصة موت الضمير   قصة موت الضمير Emptyالسبت مايو 29, 2010 10:13 pm

أخذ الفتى كعادته في كل مساء يتعقب ذلك الشيخ الطاعن في السن المبتور اليد الذي يخرج من بيته بخطوات متثاقلة متوجهاً صوب ضاحية القرية ليجلس في ظل شجرة السدر الكبيرة ، ثم يُخرِج قطعة نقود معدنية من جيبه البالي ، وما أن يشرع في تقليبها بين أصابع يده السليمة حتى تنهمر دموعه كالأمطار لتبلل لحيته المائلة إلى البياض . لقد عزم الفتى أن لا يرجع هذه المرة كعادته خالي الوفاض من غير أن يعرف قصة هذا الشيخ الوقور وسرّ قطعة النقود التي يحملها معه . اقترب الفتى بخطوات هادئة من الشيخ و ألقى عليه التحية ، فالتفت إليه الشيخ و ردّ تحيته ، ثم مسح دموعه و قال :

- تفضل يا بني اجلس ؟

فجلس الفتى بجانبه ، و سادت فترة من الصمت ، ثم أردف قائلاً :

- أيها الشيخ الوقور .. قد تحسب الأمر فضولاً مني ولكن الشوق يغمرني في أن أعرف قصتك مع قطعة النقود هذه .. فقد أصبحتُ متابعاً لشأنك كل مساء .. ترى أي سر هذا الذي يلقي بالحزن على وجهك الوقور ؟ و أي دموع تستحقها هذه القطعة المعدنية العتيقة ؟ لقد عزمتُ هذه المرة أن لا أبرح هذا المكان حتى أستكشف أمرك و أنتزع منك الحقيقة .

تعجب الشيخ من جرأته ، و أطرق قليلاً ثم ابتسم قائلاً :

- إن قطعة النقود هذه تعني لي الكثير يا بني ، تستطيع أن تقول إنّ لها ذكرى ثمينة عندي ؟

فعاد الفتى يستفسر في فضول :

- هل أفهم أنها ذكرى مِن شخص عزيز حالتْ المنية بينك و بينه ؟

فأجاب الشيخ بصوت هادئ :

- لا .. إنها تُذكّرني بيوم مهم في حياتي لا أقدرُ على نسيانه .

قال الفتى متعجباً :

- و أي يوم هذا يا ترى ؟

فأجاب الشيخ :

- إنه يومٌ مهم في تاريخ حياتي .. يومٌ مات فيه ضميري و خان فيه لساني معتقدي . الأحرى بي أن أقولَ لك إنّه اليوم الذي تآمرَتْ فيه جوارحي على روحي ، و طينتي على طهارتي .. ففي هذا اليوم قرّرتُ أنْ أبيع معتقدي بمتاع دنيوي زائل . أليس حريّاً بي يا بنيّ أن أحتفظ بقطعة النقود هذه لتذكّرني بهذا اليوم المشئوم في حياتي كلما حاولَتْ نفسي أن تنساه ؟ ثم أوَلا أكون عبداً لئيماً إن أنا نسيتُ هذا اليوم أو تناسيتُه ؟

استغرب الفتى من أسلوبه في الكلام ، و عاد يستفسره متعجباً :

- وكيف حدث كل هذا أيها الشيخ الجليل ؟

فأجاب الشيخ متألماً :

- منذ أربعين سنة و أنا أدير مسجد القرية و أمثل السلطة الدينيه فيها . كان ورعي و نسكي قد أضفيا الكثير على شخصيتي بين أهل القرية . كنت الناسك المتعبد الذي يهاب الجميع من طلّته .. أسوقهم أمامي بصدقي و وفائي .. آمرهم و أنا أطيعهم ، أؤثر فيهم و أنا أتأثر بهم .. صحيح أنه كان للقرية يومها حاكم ظالم يمثل سلطتها الدنيوية و يمسك بزمام أمورها .. لكنني بحكم مكانتي الدينية كنت نداً له في حكمه ، أستطيع أن أهيّج عليه الناس كالبحر في غمضة عين و أستجيش فيهم حمية التديّن بإشارة واحدة مني . و من أجل ذلك كلهِ كان الحاكم يقيم لي وزناً كبيراً بينهم خوفاً من أنْ تنطلق يوماً كلمة من ثغري فيثوروا عليه و يستأصلوا شأفته .. و ما كنتُ لأفعلها مهما بلغ الأمر بيني و بينه لأنني ببساطة لا أؤمن بالثورات الحمراء و لا بلغة العنف و الاحتكاك ، فقد عشتُ حياتي كلها ساعياً لأن يكون الناس في هدوء و يستمتعوا بما في حوزتهم من حقوق و إن كانت شحيحة في حقيقتها .. لقد تغاضيت عن الحاكم مرتين ، مرة عندما سلب الكثير من حقوق الناس و مرة أخرى عندما أوجبَ عليهم ما لا يطيقون فعله ،
لقد كنت أمثل نموذج الغنى في القرية بكل ما للعبارة من معنى رغم أنني كنت في حقيقتي عالة على أهلها في طعامي و شرابي ، كنت غنياً بإيماني و عزة نفسي و كبريائي .. و الحاكم كان يمثل نموذج الفقر و العوز في القرية بكل ما للعبارة من معنى رغم أنه في حقيقته لم يكن ينام إلاّ على الحرير و بين قطع الذهب و الزمرد و الألماس ، كان فقيراً بجحوده و دناءة نفسه و تطفله رغم عيشه الباذخ على من يركضون وراء لقمة عيشهم .. كان ينتزع من الفقراء حصصاً وافرة من زروعهم و ثمارهم موسم الحصاد مستغلاً ضعف حيلتهم و حكمتي في السكوت ..
و كانت العزة تأخذه بالإثم في أحيان كثيرة ، فقد كان يحاول مراراً أن يستغلّ مكانتي الدينيه في القرية و تأثيري في أهلها لأضفي له الشرعية الدينية إلى ضرائبه الظالمة . كان يريد مني أنْ أقنع له الفقراء و الأشقياء من أهل القرية كي يدفعوا له النصيب المفروض من زروعهم و ثمارهم يوم الحصاد عن طيب نفس و من غير أن يراودهم إحساس بالظلم . و قد أغراني مقابل ذلك بعروض دنيوية كثيرة و وعدني بأن يخصص لي نصيباً من تلك الزروع و الثمار كل عام مقابل أنْ أخون ما يجول في فكري و ينبض به قلبي . لكنّ نفسي تفوقتْ بمنتهى السهولة على جاذبية عروضه الفانية في كل مرة حاول فيها استدراجي و تضليلي . و دارت الأيام دورتها ، فأراد القدر أن يختبر صدقيَ المزعوم و عزة نفسي التي أتباهى بها .. و ما أسوأه من اختبار رأيته في حياتي على الإطلاق !

قاطعه الفتى في أدب :

- أيّ اختبار كان ذلك أيها الشيخ الجليل ؟

تابع الشيخ حديثه قائلاً :

- في فجر يوم من أيام الربيع بدأتْ أصابع يدي اليسرى تؤلمني ، و ساعة بعد ساعة اشتد بي الألم حتى بدأتُ لا أطيقه ، ثم بدأ سواد يظهر على أطراف أصابعي العليلة في نهاية ذلك اليوم الطويل بآلامه و أوجاعه ، وحينها بدأ الخوف يتسرب إلى قلبي ليضيف بذلك آلاماً معنوية إلى آلامي العضوية . و في صباح اليوم التالي بدأتُ أطوف على حكماء القرية بحثاً عن عقار يوقف المرض . لم يعطني مرضي فرصة للتريّث فقد باتت الأوجاع تستولي على كياني و بدأ كل شبر في جسدي يتداعى لأصابعي العليلة بالسهر و الحمى . و شاءتْ الأقدار أن تمكّن حكيم من حكماء القرية من تشخيص مرضي و أخبرني أنّ الوقت ليس في صالحي على الإطلاق لأنّ المرض و إنْ بدا منحسراً في أصابعي الآن لكنه في وقت قريب سيزحف بخبثه الخفي نحو مركز جسدي عن طريق ذراعي .. كما بشرني الحكيم بوجود عقار يوقف نموّ المرض و يستأصل مسبباته .. و لكن من سوء حظي أنّ العقار الذي وصفه لي كان في غاية الندرة لم يكن متوفراً يومها في القرية و لا في ما يجاورها من قرى .. لكنه عاد يهدّأ من روعي و أخبرني بأن له صديقٌ في إحدى البلاد البعيدة يصنع ذلك العقار و إنْ شئتُ دلّني على محل إقامته .. لقد بدأتُ أتسارع في التفكير سلباً و إيجاباً بحسب ما أسمعه منه بشأن دائي و دوائي .. و لكن بمجرد أنْ سمعت بأن علاجي ليس محالاً حاولت أنْ أستجمع قواي المنهارة و أستعيد الأمل غصباً ، كالذي تاه في نفق طويل مظلم ثم راوده الأمل على إثر بقعة ضوء أبصرها في نهايته . كانت الحياة قد علّمتْني درساً في غاية الأهمية ، لقد علّمتْني أن منتهى الراحة هو أن نسكن في النور ، و أن منتهى القلق هو أن نسكن في الظلام .. ولكنها في ذات الوقت علّمتْني أيضاً أنّ الأمر ليس فقط بياضاً أو سواداً .. و لا فقط راحة أو خوفاً .. بل هناك طيف يفصل بينهما ، ألا و هو طيف الأمل .. حيث يسكن المرء أحياناً في الظلام لكنه يرى الضوء من بعيد .. و ليس مهماً في الحقيقة كم يبعد ذلك الضوء ، لكنّ المهم أن هذا الضوء المرئي يؤنسه و يجعله يألف وحشة الظلام ..

لم أكنْ أحس بفظاعة الابتلاء حتى تلك اللحظة ، فقد تمّ تشخيص المرض و تحديد العقار و مكان وجوده و ليس عليّ إلاّ أنْ أسعى في سبيل الوصول إليه .. و لم أكن قد تعرّفتُ بعد على وجه الابتلاء في قصتي مع هذا المرض الملعون ، فقد أنزلَ الحكيم علي خبراً كالصاعقة حينما أخبرني بأنّ عليّ أن أدفع مبلغاً من المال لقاء شراء هذا العقار ، لأنه كان عقاراً ثميناً يصنع من نباتات نادرة جداً . لقد اسودت الدنيا بوجهي حينها فصرت كالورقة اليابسة في مهب الريح العاصف .. لم أكن أملك قرشاً واحداً و لم تكن الدنيا يومها مثل يومنا هذا ، فالنقود كانت نادرة في ذلك الزمن و لم يكن أحد من أهل القرية يملك قطعة نقود في بيته . كان الناس يومها يتعاملون بالبضائع بدلاً من النقود ، يتبادلونها فيما بينهم كل حسب حاجته . و لم يكن أحد يملك النقود في القرية كلها غير الحاكم وحده ، فقد كان قد جمع لنفسه أموالاً طائلة من الضرائب التي فرضها على فقراء القرية و أشقيائها . و كان عليّ بعد طول عمر من العزة و الإباء أن أريق ماء وجهي و أمدّ يدي إليه متسولاً أشرح له حاجتي و شدة عوزي .. و كيف لي أنْ أفعلها و أنا الذي وقفتُ في وجه رغبته عندما أراد أنْ يضفي الشرعية إلى ضرائبه الظالمة عن طريقي ؟ و ماذا لو طلبتُ منه النقود و ذكّرني بوقفتي تلك ؟ ثم قرّرت أنْ لا أفعلها و إن نهش المرض في لحمي و عظمي كله .. كيف أنزل عن عزة نفسي و كبريائي أمام حاجة جسدية آنية ؟ كيف أقدم طهارتي قرباناً لقذارة من قاذوراتي ؟

وهكذا عدلتُ عن رأيي في طلب الحاجة منه ، لكنّ مرضي لم يعدل عن خبثه و لم يراعِ عزتي و كبريائي ، فقد شرع سواد أصابعي يزحف بأوجاعه نحو ساعدي و من ثم ذراعي .. و أنا لا أقوى على تحريك ساكن إزاء جبروت زحفه الأخطبوطي .. لم يكن بوسعي إلاّ أن أقف موقف المتفرج المشلول .. لم يعد ليلي ليلاً و لا نهاري نهاراً .. لقد صرت أرى شبح الموت في كل يوم ألف مرة و مرة . و تجافى جنباي عن مضجعي من هول الفناء المعلق على رأسي و الأوجاع التي تطحن جسدي .. لقد تسامع أهل القرية بقصة مرضي و كانوا يزورونني في بيتي ويواسونني بطيب كلامهم و لا أحد منهم يقدر على فعل شيء لي .. كان حالي يرثى له ، فلم أكن أتصور أحداً سرّته قصتي ، فحتى الطير و الدّواب كنتُ أتصورها تبكي لحالي و قلة حيلتي و هواني على مرضي . و تحت طول ضغط المرض و شدة تهديده قررتُ لأول مرة في حياتي أن أريق ماء وجهي أمام الحاكم و أشرح له حالي فأطلب منه قيراطاً لأشتري به العقار الموصوف . و ذهبت إلى قصره و طلبت منه ذلك ، فأطلق ابتسامة شريرة في وجهيَ الذابل ثم قال لي : (لا يكون لك ذلك أيها الشيخ القبيح إلاّ بعد أن تفعل لي ما طلبته منك) ، فقلت له : (لا أستطيع أنْ أفعل ذلك أيها الحاكم ، فأنت تعرف أن الخالق يكره الحاكم الذي يأخذ الضرائب من أشقياء قومه ، فكيف تطلب مني أن أضفي لك الشرعية إلى هذا العمل القبيح زوراً و بهتاناً؟) ، فقال لي : (أنت حر في قرارك ، ولكن لا تنتظر مني أن أعطيك قرشاً مِن مالي قبل أن تفعل ذلك ، و لتعْلم أيضاً أيها الشيخ أن أجرة العمل الذي أطلبه منك اليوم لم تعد مثل الماضي ، فكنتُ قد عرضتُ عليك فيما مضى أموالاً طائلة و نصيباً وافراً من ضرائب الزروع والثمار لقاء ذلك العمل ، و لكنك اليوم مضطر أن تفعل ذلك مقابل قيراط واحد لا أكثر !! اذهب و فكر جيداً في أمرك و لكن بسرعة فائقة لأن الوقت ليس في صالحك) .. ثم أطلق ضحكة ساخرة بثّت الدوار في بصري .. و خرجت من قصره و أنا ألملم شظايا وجداني المتكسّر و بقايا إحساسي المهزوم .. كم هو عميق ذلك المنحدر الذي يهوي إلى قعره الإحساس عندما تمد يدك لأخيك الإنسان تطلب منه قرشاً لتنقذ به حياتك فيردها خائبةً ، و أنت تعلم علم اليقين أنه في اللحظة التي ردّ فيها يدك هو كان قادراً على أن يملأ عشرات الأيادي الممدودة بقطع الذهب و الألماس و الزمرّد مِن غير أن ينقص شيء من فيض يديه . لقد عدتُ إلى صومعتي و قرّرت أن أسلّم للمرض كل معاقل جسدي معقلاً تلو الآخر .. و مكثت في معاناتي و الناس يزورونني و يقومون على خدمتي و هم لا يدرون بتفاصيل قصتي مع الحكيم و الحاكم .. و ذات يوم من الأيام و بعد أنْ صرتُ طريح الفراش لا أقوى على الحركة جاءني رهط من رجال القرية زائرين في الصباح الباكر ، و لما دققوا النظر في ملابسي وجدوها غير نظيفة ، فقرروا أن يستبدلوها بملابس جديدة ، و لما وضعوا عني قميصي وقع بصري فوراً على ذراعي ، و ذعرت عندما أبصرتُ السواد واصلاً إلى كتفي يكاد أن يجتازه إلى صدري و عنقي ، و في تلك اللحظة أحسستُ حقيقة أنّ الأسباب قد تقطّعتْ بي و مرّت مشاهد حياتي كلها أمام عينيّ ، و تيقنتُ بأن المرض جاد في خبثه و أنّ الموت قد صار على أعتاب بيتي متخفياً و أنا لا أدري بأمره .. لقد أصابتني نوبة هستيرية ، نسيتُ على إثرها كل ما بنيته من مبادئ و مثاليات خلال حياتي بطولها و عرضها و قررتُ دون تردد أن أنقذ حياتي من براثن هذا المرض مهما كلفني الأمر .. لقد حاولتُ أنْ لا أتظاهر بالقلق و بدأتُ أقدم لنفسي الأعذار و المبرّرات كي أسترد توازني و أستبعد قلقي .. ثم قلت للرهط : (دعْكم من هذا الآن .. فقد جاءني ليلة البارحة ملاكاً في منامي و أوصاني بكلمات لا بدّ لي أن أوصلها لأهل القرية قبل أن أرحل عن هذه الدنيا ، فأريدكم أن تجمعوا لي أهل القرية لأنقل لهم رسالة الملاك بأمانة و صدق !!) .. و ما هي إلا لحظات حتى تجمعتْ الجموع ليستمعوا إلى الكلمات التي سأقولها لهم ، فاستجمعتُ جرأتي و لفّقتُ على ملاك الرب بمنتهى الوقاحة و أضفيْتُ الشرعية الدينية إلى ضرائب الحاكم الظالمة و تناسيتُ كل ما جال في خاطري على مرّ العقود من مبادئ و قيم و عقائد أمام ضغط المرض و خبثه .. و عندما انفضّتْ الجموع راضية بقراري و مفوضة إليّ أمرها قصدتُ قصر الملك و شرحتُ له الأمر و كيف أنني حققت له رغبته ، فأعطاني قيراطاً لقاء تحقيقي لرغبته .

و قاطعه الفتى على عجالة :

- و ماذا فعلْتَ بعد ذلك ؟ هل اشتريتَ به العقار الموصوف ؟

أجاب الشيخ مبتسماً ، و هو يعرض له قطعة النقود عن كثب :

- لقد جئت بها مسرعاً إلى بيت الحكيم الذي شخص دائي ليعطيني عنوان صديقه في البلاد البعيدة . فألقى نظرة فاحصة على ذراعي و فاجأني حينما أخبرني أنني جئتُ متأخراً جداً فالمرض حسب رأيه لم يكن قد بقي له إلا ساعات معدودة لينتشر في صدري و عنقي ، و ليس للعقار الموصوف أن ينفع مع هكذا انتشار ، ثم إنّ الطريق إلى عنوانه ركوباً يستغرق أسبوعاً على أقل تقدير .. لقد أخبرني بأن الحل الوحيد لإنقاذ حياتي هو بتر طرفي المصاب كله و لم يكن أمامي خيار إلاّ أن أرضخ لمرارة الأمر ، و هكذا كما ترى راح عضو مهم من جسدي مع رحيل ضميري و كرامتي و عزة نفسي .. لقد أردتُ أن أتآمر على ضميري و أقدمه قرباناً لعضو من أعضاء جسدي ، لكن الله سلبني الاثنين معاً عقاباً منه لي .. هذه هي قصتي مع هذا القيراط الملعون ، فقد قررت أن احتفظ به ليذكّرني باليوم الذي مات فيه ضميري و خان فيه لساني معتقدي .. لقد احتفظتُ به ليذكرني باليوم الذي قدّمتُ فيه جزئي الخالد قرباناً لجزئي الفاني .

قالها و هو يضع قيراطه في جيبه ، ثم قام من مكانه في هدوء لا يدانيه هدوء و مشى بخطواته المتثاقلة نحو بيته ، تاركاً علامات الاستفهام تحوم حول رأس الفتى من كل صوب .


عدل سابقا من قبل الهاشمي في الإثنين نوفمبر 01, 2010 3:52 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابوعماد
مديــر المنتــدى
مديــر المنتــدى
ابوعماد


تاريخ التسجيل : 13/03/2009
العمر : 49

قصة موت الضمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة موت الضمير   قصة موت الضمير Emptyالإثنين نوفمبر 01, 2010 3:37 pm

بارك الله فيك ونفع بك قصة للعبره والمنفعه اسال الله ان يجزيك عنا الخير ..وان يكتب لك الأجر في ميزان حسناتك لتكون لك رصيدا يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم

تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.alarabi01.com
salahaldeen
اديب المنتدى
اديب المنتدى



تاريخ التسجيل : 14/03/2010
العمر : 66

قصة موت الضمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة موت الضمير   قصة موت الضمير Emptyالإثنين نوفمبر 01, 2010 3:50 pm

قصة معبرة ودرس وعبرة لمن القى السمع وهو شهيد ..
باركك الله ايها الهاشمي الجميل في ما تقدمه وما ترمي اليه ..
تقبل مروري وسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهاشمي
مشرف المنتدى العام
مشرف المنتدى العام
الهاشمي


تاريخ التسجيل : 22/05/2009
العمر : 44

قصة موت الضمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة موت الضمير   قصة موت الضمير Emptyالثلاثاء نوفمبر 02, 2010 2:55 am

بكلماتكم الرائعه أقف عاجزاً أمامها
ولا أملك من الكلمات ما أعبر به عن شكري وتقديري لكم ..
أفظع شعور وأسوء صفة هي موت الضمير ،، وأن يصبح الإنسان بلا ضمير

اشكركم على مروركم..
وبارك الله فيكم...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ابو وضحه
مشرف واحة الشعر والإبداع
مشرف واحة الشعر والإبداع
ابو وضحه


تاريخ التسجيل : 03/08/2010
العمر : 37

قصة موت الضمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة موت الضمير   قصة موت الضمير Emptyالثلاثاء نوفمبر 02, 2010 9:33 pm

ولكن السؤال هل نلوم هذا الشيخ ام انه ليس عليه ملامة
اما شيوخ الدين في هذا الزمان حدث ولا حرج اللي يفتي
انه يجوز بنى جدار بين مصر وغزة واللي واللي واللي..
نسأل الله السلامة...
اشكرك اخي الهاشمي وبارك الله فيك على هذه القصة الجميلة..
دمت ولا هنت ولا هانت مرابيعك...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صاحب جبن
عضو مميز
عضو مميز



تاريخ التسجيل : 26/06/2009
العمر : 41

قصة موت الضمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة موت الضمير   قصة موت الضمير Emptyالثلاثاء نوفمبر 02, 2010 9:45 pm

بحثت عن الضمير فلم اجده ....وبحثت ايضاً فى دهاليس الشيخ جوجل فارشدنى الى طفل اصيب فى احد المواجع بجروح غادره فى عيناه فبات اعمى لايبصر شيئا ...
لكنه يمتك ضمير حي ..لو وزنت ضمائر العالم لرجح ضمير هذا الطفل .
ولازلنا نبحث عن هذا الضمير
قصه رائعه بارك الله فيك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهاشمي
مشرف المنتدى العام
مشرف المنتدى العام
الهاشمي


تاريخ التسجيل : 22/05/2009
العمر : 44

قصة موت الضمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة موت الضمير   قصة موت الضمير Emptyالأربعاء نوفمبر 03, 2010 8:51 am

ابو وضحه كتب:
ولكن السؤال هل نلوم هذا الشيخ ام انه ليس عليه ملامة
اما شيوخ الدين في هذا الزمان حدث ولا حرج اللي يفتي
انه يجوز بنى جدار بين مصر وغزة واللي واللي واللي..
نسأل الله السلامة...
اشكرك اخي الهاشمي وبارك الله فيك على هذه القصة الجميلة..
دمت ولا هنت ولا هانت مرابيعك...

أحيـــي هــــذا الحضــــــور
وسعيـــــد بهــــذا الـــــــــرد
كــــــل الشكــــر للمـــــرور اللطيــــف
تحياتي وتقديري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الهاشمي
مشرف المنتدى العام
مشرف المنتدى العام
الهاشمي


تاريخ التسجيل : 22/05/2009
العمر : 44

قصة موت الضمير Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة موت الضمير   قصة موت الضمير Emptyالأربعاء نوفمبر 03, 2010 8:54 am

صاحب جبن كتب:
بحثت عن الضمير فلم اجده ....وبحثت ايضاً فى دهاليس الشيخ جوجل فارشدنى الى طفل اصيب فى احد المواجع بجروح غادره فى عيناه فبات اعمى لايبصر شيئا ...
لكنه يمتك ضمير حي ..لو وزنت ضمائر العالم لرجح ضمير هذا الطفل .
ولازلنا نبحث عن هذا الضمير
قصه رائعه بارك الله فيك

سعدت بمرورك وبمداخلتك اللطيفة
تحياتي لكل حرف كتبته
وتحياتي لحضورك الجميل..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة موت الضمير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» عندما يغيب الضمير
» الردة عن الضمير ، وقسوة اعدام بلا ضمير !

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدى العربــي منتديــات كل الـعـرب  :: واحة الشعر والإبداع :: القصص والروايات-
انتقل الى: