البديل/ بقلم جمال أنعم
الوطن المشترك
ننتظر أن تكون تظاهرة المشترك القادمة في «التحرير» خارج أسوار «الظرافي» ليكن غضباً محرراٍ ومُحرراً لا مسوراً, أنا مع تحرير التظاهرات الشعبية من أسر الخوف وهواجس الإنفلات, ليست لعبة والجمهور هنا ليس متفرجاً, مكانه مقاعد المتفرجين, لا يأتي للتشجيع ولا للهتاف أو التصفيق, لا يأتي لمشاهدة عروض كلامية معدة لمجموعة لاعبين, الجمهور هنا سيد الملعب, هو اللاعب الوحيد, الإعتصام داخل ملعب الظرافي على أهميته لا يقارن بالحر كة في الشارع المفتوح, يبدو المعنى أكثر إنفتاحاً, يختلف الإحساس والوقع والإيقاع, هو الشارع مبتدأ الثورات ومفتتح المشاريع الكبيرة.
المشترك في كثير من فعالياته الإحتجاجية يبدو كما لو أنه يروض الحاكم على مستويات معارضته, يختبر ردود فعله, مع كل مستوىً يصل إليه, ويترك للوجع الرسمي مسألة التعبير عن مدى حدة هذا الفعل وشدة ذاك.
أمام المعارضة تحديات كبيرة, على رأسها حماية نضالها, ورعاية خيارات التغيير المختلفة في الساحة, هذا الدور ربما أهم أدوارها الوطنية الراهنة.
تثبت الأيام صوابية قرارات المشترك وسداد رهاناته على صعيد صعدة وعلى مستوى الجنوب, وقوفه ضد الحرب منذ إندلاعها, رفضه إستخدام القوة في معالجة القضايا والمشكلات, رفضه دعوات التهييج والتأجيج الطائفية والمناطقية, بذلهُ جهوداً مضنية على الصعيد السياسي لإحتواء الأزمة, مرة بعد أخرى طيلة سني الحرب رفض خلالها القيام بمهمات خارج المشروعية الوطنية لصالح هذا الطرف أو ذاك, اليوم يتوج هذا الجهد بأهم خطوة لإستعادة صعده إلى البيت الوطني الكبير, سيما بعد أن وضعت الحرب أوزارها, وبدأ الوطن يقف على جراحاتها الغائرة وخرابها الممتد عميقاً في الأرض وداخل الروح.
ندرك سبب حنق الحاكم من هذه الخطوة, ندرك سبب نقمته على المشترك, الخطوة مست مشروعيته في الصميم, بدت الأزمة في صعدة أزمة إعتراف ولاح المشترك ملاذاً أخيراً للذات الوطنية المنقسمة يضمن هذا الإعتراف على شرط وطني ٍ واضح يرفض العنف والتوسل بالقوة في سبيل إعلان الحضور وتأكيد الوجود, ويشترط في التغيير إنتهاج العمل السياسي السلمي الملتزم بالدستور والقانون ضمن القوى الوطنية المؤطرة في الساحة.
يغيض الحاكم هذا كله كونه لا يستطيعه بحكم ذهنيته وثقافته ورؤيته لذاته المتلبسة بالسلطة, بحكم كل أدواءه التي أدت إلى تضييق دائرة الإعتراف وإلغاء وإقصاء الآخرين.
يجد المشترك نفسه دائماً محاطاً بأسوار مضروبة حوله كلما حاول مقاربة المشكل الوطني هنا أو هناك, لكنه اليوم يتجاوز كل تلك الأسوار ويقوم من موقعه بهذا الدور الوطني الرائد والذي يسبق في أهميته إعادة إعمار البيوت لأنه يعيد إعمار الروح, يعيد تأطير ما أنفلت في أودية النقمة و الثأر إلى ظلال الذات الوطنية الواحدة.
يبرز المشترك بإعتباره السلطة الوطنية الصاعدة القادرة على إتخاذ المبادرات السياسية لحل وإستيعاب كثير من أزماتنا الوطنية, يبرز المشترك ممثلاً حقيقياً لروح الوحدة في إحتضانه التنوع والتعدد والإعتراف بالآخر, القبول والتعايش مع المختلف, والإيمان بحق الجميع في مواطنة متساوية, وعدالة تحمي حق الإختلاف والتباين.
الغريب أن ما دعى إليه الرئيس أبناء صعده مراراً ينكره إذ يجئ من المشترك.
يبدو الحاكم اليوم داعية حرب لا يريد لصعدة أن تبرأ وتغادر الجحيم فقط لأن المشترك دخل على الخط في لحظة فاصلة, وبخطوة عملية لم تكن في الحسبان أعطت لصعدة بالفعل ما عرضه الرئيس بالقول.
على مستوى الحراك في الجنوب وقف المشترك حاضناً لكل الغضب الجماهيري المشتعل في مدائن الجنوب, كان منذ البدء صاحب القضية, لم يقم بدور الوسيط ولم يؤدِ مهمات إخضاع من أي نوع, وقف مدافعاً عن حق الجنوب في الجنوب, حامياً لخيارات التغيير, منكراً فساد السلطة وعنفها في قمع الفعاليات, منحازاً للجماهير, معبراً عن مطالبها, لم يصادر حق هذا المكون أو ذاك في الحضور, لم يستأثر بالحركة ولا بالحراك, ولم يدعِ أحقيته وحدهُ بالنضال, لم يطرد أحداً ولم يعترف بهذا وينكر ذاك, مثل المشترك كل ما هو وحدوي أصيل ونبيل, لهذا إتسعت الآمال المعقودة عليه, وتتطلعت نحوه برجاء كل المدائن.
لهذا يتجه نحو الجميع محتضناً فيهم كل الوطن, لهذا هو متمردٌ في عين الحاكم, منفصلٌ عن مشيئته, لهذا هو المشتركٌ والحاكم وحده.
Gamal-anam@yahoo.com