رد على الشيخ يوسف القرضاوي
منقول من موقع الدكتور محمد شحرور
في برنامج اداعاته فضائية الجزيرة بتاريخ 1/6/2008 تحدث فيها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي عن "فتنة المرأة".
يستهل السيد عثمان عثمان الحلقة فيقول : "يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {..زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} آل عمران:14، ما حقيقة فتنة المرأة؟ وأي مسؤولية يتحملها الرجل؟ أين أصبحت تلك الفتنة بين موسع لدرجة تقييد حركة المرأة وبين متفنن في أزياء تصف أكثر مما تستر؟” أهـ .
ورحنا نبحث دون جدوى عن خيط يربط الآية بعنوان الحلقة، وعن علاقة تربط حب الشهوات التي زينها سبحانه للإنسان بفتنة المرأة من جانب، وبمدى مسؤولية الرجل من جانب ثان، وبحرية المرأة بين موسع ومضيق من جانب ثالث، وبالأزياء الفاضحة التي يجمع علماؤنا الأفاضل – وعلى رأسهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – على أنها أحد أهم أسلحة المرأة في ممارسة الفتنة من جانب رابع، حتى لا تتحول الحلقة إلى حكاية لا معنى لها، كتلك القصة المشهورة التي تروي أن دباً في الصحراء رمى لصاحبه كرة مطاطية فأنشد:
أعلمه الرماية كل يوم * * * فلما اشتد ساعده رماني
صحيح أننا سمعنا السيد عثمان يجزم في فقرته الاستهلالية بوجود خيط وعلاقة يربط هذه الحبات على تنافرها في مسبحة واحدة، وصحيح أن اللفظ – كما يقول علماء اللسان – دليل على ما في الفكر، وأن ما في الفكر دليل على ذوات الأشياء كما يراها صاحب الفكر، في هذه المقالة سنقف عند ما قاله سماحته عن فتنة المرأة. يقول:
1 – " وبعد، فإن كلمة الفتنة كلمة يقصد بها الاختبار والابتلاء حتى إنها ذكرت في القرآن كلمة فتنة ثلاثين مرة ومشتقات الفتنة فتن يفتن وفاتن ومفتون ذكرت 28 مرة، يعني ذكرت في القرآن الفتنة بمشتقاتها 58 مرة" أهـ. ونقول نحن :
آ – الفتنة ليست كلمة، هي لفظة أو مفردة. وإلا فكيف نفهم – إن نحن خلطنا فلم نميز إنطلاقاً من القول بالترادف – قوله تعالى (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا) التوبة 40، وقوله تعالى (إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح) آل عمران 45.
ب – عدد المرات التي تذكر فيها اللفظة في التنزيل الحكيم لا علاقة له بمعنى اللفظة ولا دور له في تقوية وتأكيد المعنى إن كان كبيراُ أو في تضعيفه إن كان قليلاً صغيراً. من هنا فإن عبارة (حتى أنها) جاءت في غير محلها وعلى غير ما ينبغي. بدليل أن لفظ "رمضان" ورد مرة واحدة في آية البقرة 185، ولفظ "المرافق" ورد مرة واحدة في آية المائدة 6، ولم يؤثر ذلك على معناهما.
ج – لفظة الفتنة بمشتقاتها وردت 60 مرة في التنزيل الحكيم وليس 58 مرة كما قال سماحته.
2 – ويقول: " فالفتنة استعملت استعمالات كثيرة ومنها فتنة النساء، فالفتنة بالنساء يقصد بها اختبار الرجال، الرجل هل يعني يصمد أمام هذه التركيبة، لأن الله سبحانه وتعالى يعني جعل في كيان كل من الجنسين الرجل والمرأة الميل للآخر كل منهما يميل إلى الآخر بالفطرة منذ خلق الله آدم خلق له من جنسه زوجا وقال له {.. اسكن أنت وزوجك الجنة..} البقرة:35، لذلك لا تستغني عن عشير لك وأنيس لك فخلق له حواء. فالتركيبة الطبيعية للرجل والمرأة أن كلا منهما يميل إلى الآخر بحكم الغريزة الفطرية التي تسوقهما إلى أن يتكاثر النسل وتستمر هذه الحياة البشرية بهذه الغريزة الفطرية، ولكن جعل المرأة أكثر جاذبية للرجل من الرجل للمرأة." أهـ . ونقول نحن:
ثمة خلط عجيب بين الأشياء في عبارات سماحته، لا أحد يستطيع أن يجزم إن كان خلطاً مقصوداً عن علم، أم كان خلطاً غير مقصود، أم هي – لا هذا ولا ذاك – مجرد زلقات متسرعة سبَّبَها الارتجال وعدم التحضير المسبق.
هناك - بلا ريب – فتنة نساء، وهناك فتنة بالنساء، والفرق بينهما لا يخفى على ذوي البصر والبصيرة. الأولى تعني ما جعله الله سبحانه في الأنثى من سحر وجمال ورقة طبع وعذوبة صوت ودفء عواطف، فهي بهذا المعنى فاتنة بذاتها تكوينياً، والذي لا يرى هذه الهبات الإلهية للمرأة يحتاج إلى طبيب عيون(1).
أما الثانية فتعني الإغراء والإغواء بفضل الأسلحة التكوينية التي ذكرناها، وفيها إشارة إلى الطرف المغوى المفتون دون ذكره لا تجدها في الأولى.
الطريف أن المتأمل لا يجد لهاتين الفتنتين ذكرا في أي من المواضع الستين التي ورد فيها ذكر الفتنة في التنزيل الحكيم، حيث لم يخرج فيها معنى الفتنة عن الامتحان والمحنة والاختبار والعمل بالترغيب أو بالترهيب على صرف المفتون عن الهدى وتحويله عما يؤمن به ويعتقده. ولقد نظرنا في هذه المواضع فوجدنا عدداً من الأشياء وصف بأنه فتنة لأن فيه معنى أو أكثر من معانيها:
1 – الإخراج من الديار محنة قاسية وتجربة مريرة هي عند الله أشد من القتل، ولهذا سماه سبحانه فتنة (انظر البقرة 191 و 217) .
2 – الأموال والأولاد اختبار صعب قلَّ من ينجح في اجتيازه بعلامات عالية ولذا سماه سبحانه فتنة (أنظر الأنفال 28 والتغابن 15) وكل جهد يبذله الإنسان، في تثمير أمواله بالحلال وفي تربية أولاده على المثل العليا ومكارم الأخلاق، له أجره الكبير عند الله، ولهذا قال تعالى في خاتمة التغابن 15 (والله عنده أجر عظيم).
3 – محاولة صرف الناس عن الهدى بالترغيب أو بالترهيب أو بكليهما معاً مسألة كبيرة وشديدة عند الله تعالى لكونها تتعارض عمودياً مع حرية اختيار الإنسان لدينه وعقيدته، ولهذا سماها سبحانه فتنة (أنظر البقرة 193 والأنفال 39 والتوبة 48 والمائدة 49 والأعراف 27).
4 – أما الفتنة بمعنى المحنة والامتحان والاختبار فهي الأغلب والأعم في جميع المواضع التي ذكرت فيها وعلى رأسها قوله تعالى (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) الأنبياء 35. (انظر على سبيل المثال لا الحصر البقرة 102 والأنفال 25 والإسراء 60 والقمر 27) .
ولو ضيق المجال لوقفنا عند معنى الفتنة في التنزيل الحكيم آية فآية تأكيداً لما ذهبنا إليه. فمن أين جاء سماحته بفتنة النساء التي يقصد بها اختبار صمود الرجال أمام الغواية؟ ولماذا يعتبر الميل الجنسي بلية ومصيبة ولا بد للرجل من أن يصمد أمامها؟ سنحاول نحن بالنيابة عنه أن نجيب على هذه التساؤلات وغيرها ونضع النقاط على حروفها في فقراتنا التالية.
ب – يقول سماحته: "ولكن الله جعل المرأة أكثر جاذبية للرجل من الرجل للمرأة" أهـ . ونقول نحن: سبحان الله ! ألا يكفينا قول القائلين من علمائنا الأفاضل "لادور للعقل ولا مكان له في الشريعة الإسلامية" و "القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن"؟ ألم يقرأ سماحته قوله تعالى في قصة يوسف (ع) مع امرأة عزيز مصر (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) يوسف 24. ألم يستوقفه تقديم المرأة على الرجل في الآية؟ وقول تعالى (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا) يوسف 30 ألم يقدم سبحانه الزانية على الزاني في سورة النور؟ ألم يقرأ سماحته خبر المرأة التي سمعها عمر بن الخطاب تنشد في غياب زوجها المجاهد:
ولولا حياء واتقاء وعفة * * * لزلزل من هذا السرير قوائمه
ج – لقد بحثنا عن أصل ما يزعمه سماحته عن فتنة النساء بعد أن لم نجدها في التنزيل الحكيم فوجدناها عند اليهود في عهدهم القديم وعند النصارى في عهدهم الجديد. مجموعة من معارف زائفة وخرافات مضحكة تحكي عن بدء الخلق (التكوين)، وعن جنة سماوية عاش فيها آدم وحواء مع الله وملائكته، وعن شجرة للمعرفة من أكل منها استمنى أمرهما ربهما ألا يأكلا منها. ثم تحكي عن إغواء إبليس لحواء وإغوائها لآدم، وكيف أكلا من الشجرة ومارسا الجنس فكانت الخطيئة الأولى رمز النجاسة والدنس التي طردتهما من الجنة والتي لعبت فيها حواء الدور الأول فاستحقت عقاب ربها بأن حكم عليها بآلام المخاض والولادة. هذه المهازل التوراتية هي التي تسللت إلى تفاسير المفسرين وتواريخ المؤرخين تحت ستار "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"، وهي التي استند إليها هامانات المؤسسات الدينية في تكفير ومحاربة ومحاكمة علماء أصل الأنواع ودارسي مسألة النشوء والارتقاء.
د – ويقول سماحته: " الله لم يخلق الناس كالملائكة، الملائكة يعني عقول لا شهوة لها، الأنعام شهوة ولا عقول لها، الإنسان عقل وشهوة" أهـ. ونقول نحن:
1 – ثمة خلط في الفقرة بين الشهوة والغريزة، وبين العقل والإرادة، قاد سماحته إلى الخلط بين الكائن البشري كعنصر من عناصر المملكة الحيوانية قبل أن ينفخ فيه تعالى من روحه، وبين الكائن الإنساني الذي خصه تعالى بالعقل وكرمه وفضله على سائر خلقه ليكون خليفة له في الأرض.
2 – كان الصحيح لو أنه قال (الملائكة لا عقول لها ولا شهوات ولا غرائز، الأنعام غرائز لا عقول لها ولا شهوات، الإنسان غريزة وعقل وشهوة). أما زعمه أن الملائكة عقول فزعم ينقضه قوله تعالى يصف فيه الملائكة: (عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) التحريم 6. وأما زعمه أن الأنعام شهوات لا عقول لها فالتناقض فيه واضح، لأن الشهوة بنت العقل، ولأن العقل معرفة وإدراك، فكلما زادت المعارف كثرت الشهوات وتعددت، ومن هنا فإن الجاهل الذي لا يعرف شيئاً لا يشتهي شيئاً. فالجنس غريزة، ولكن العطور وغرف النوم ولباس النوم شهوات، والطعام غريزة، لكن الشواء والشوربة والعصير، وكل ما هو نتاج المعرفة الإنسانية هو من الشهوات، لذا عندما قال تعالى عن قوم لوط (إنكم لتأتون الرجال شهوة) ليقول أنهم كانوا واعين تماماً لما يقومون به، وليس جرَّاء جانب غريزي جيني.
هـ - ثمة جوقات في مجتمعاتنا العربي والإسلامية لكل منها تخصصها واختصاصها. منها جوقة للمصفقين مهمتها التهليل والتكبير استحساناً لسادة المنابر والشاشات بغض النظر عما يقولونه. ومنها جوقة للمستنكرين وظيفتها تبدأ بالصياح والصفير استهجاناً لكل من يجرؤ على النقد والتصويب بغض النظر عن أدلته وحججه، وقد تنتهي بالشتم أو بالتكفير أو بالإتهام بالعمالة والتخريب، وقد تصل إلى استصدار الأحكام القضائية بالنفي ومصادرة الأموال وطلاق الزوجات.
قد يصيح بنا أحد أعضاء جوقة المستنكرين قائلاً: ألم تسمع حديث النبي (ص) يقول "ماتركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"؟ نقول: قد سمعنا الإمام البخاري يرويه في صحيحه عن أسامة بن زيد، وسمعنا سماحته يستشهد به في حلقته التلفزيونية. ولكن، إن كان سماحته بعد تأمل وتحليل رائع لحديث منسوب للإمام علي بن أبي طالب يقول: "أنا لا أظن أن علياً بن أبي طالب حكيم الأمة قال هذا الكلام" ألا يحق لنا بعد عرض حديث منسوب للنبي (ص) على القرآن وتأمله وتحليله ألا نظن أنه ليس من كلام النبي؟ أم أن لسماحته وحده أن يظن كما يحب؟
نصل أخيراً إلى فقرة يقول سماحته فيها: " والآية اللي أنت بدأت بها هذه الحلقة {.. زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب} آل عمران:14، النساء والبنين يعني الأولاد والقناطير المقنطرة الأموال فكلها زينة وكلها فتنة" أهـ . ونقول نحن:
1 – لا علاقة لآية آل عمران 14 بفتنة النساء ولا بالنساء من قريب أو بعيد، ولا علاقة لفعل (زيِّن) من حيث الدلالة بالزينة لا من قريب ولا من بعيد، وبناء عليه فإن الإتكاء على الآية كشاهد لإثبات أن فتنة النساء مذمومة في التنزيل الحكيم أمر على غير ما ينبغي.
2 – زُيِّنَ للناس: أي حبب للناس، تماماً كما في قوله تعالى (ولكن الله حبَّبَ إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) الحجرات 7. ولقد ورد هذا الفعل في التنزيل الحكيم 27 مرة، 6 مرات منها بمعنى التبرج و 21 مرة بمعنى التحبب إحداها في الآية موضوع البحث.
ونلاحظ أن الفعل ورد بصيغة المبني للمجهول، ونائب الفاعل فيه إما الله أو الشيطان، ففي بعض الآيات ورد الله فاعلاً لفعل زين كما في قوله تعالى (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم) النمل 4. وفي أكثرها ورد الشيطان فاعلاً كما في قوله تعالى (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم) النحل 63، فأيهما هو نائب الفاعل في عبارة (زين للناس)؟ والجواب: هو الله إن كانت في الحلال، ومن الشيطان إن كانت في الحرام.
- الناس: جمع مفرده إنسان، يشمل الذكور والإناث العقلاء بدلالة قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) الحجرات 13 والإنسان هو العاقل المنفوخ فيه من روح الله والمصطفى لخلافة الله في الأرض. وهو المخلوق الذي له شيطان هو والجن. فالملائكة ليس لها شياطين، والبهائم كذلك ليس لها شياطين. فإن كان المقصود بالنساء جمع امرأة، والبنين هم الذكور من الأولاد، فكيف وضعهم في نفس الآية مع الأنعام؟ نحن نعلم أن الأنعام تعني البغال والحمير والخيل والبقر والغنم والإبل والماعز والخنازير؟ ثم كيف نقول أن الله كرَّم بني آدم؟ وكذلك إن قلنا أن البنين في قوله تعالى (وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ) الشعراء 132، 133، فهنا وضع الذكور من الأولاد مع البهائم، فأين هو هذا التكريم لبني آدم؟
أما كيف نفهم هذه البنود الستة في الآية فهو كما يلي:
- الشهوات: جمع مفرده شهوة وهي كل ما يميل إليه الإنسان العاقل ويستحليه. والشهوات رغبات واعية تتولد عن العقل والمعرفة، ومن هنا نجد أن فاقد العقل (المجنون) وفاقد المعرفة (الجاهل) لا يشتهيان شيئاً. أما الغرائز فهي رغبات غير واعية منشؤها فيزيولوجي بحت، ولهذا لا يمكن اعتبار الميل الجنسي إلى المرأة من ضمن الشهوات – كما فعل سماحته – بل هو من الغرائز، بدليل أننا نجده عند جميع الكائنات الحية العاقلة وغير العاقلة. والله تعالى في آل عمران 14 يعدد لنا ست شهوات زينت للناس العقلاء، وقد شرحنا الفرق بين غريزة الطعام وشهوة الطعام، وبين غريزة الجنس وشهوات الجنس:
- أولها النساء. والنساء لفظ ورد في التنزيل الحكيم على وجهين. الأول جمع مفرده امرأة كما في قوله تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء) الطلاق 1، والثاني جمع مفرده نسيء ورد في قوله تعالى (إنما النسيء زيادة في الكفر) التوبة 37. والنسيء هو المتأخر (الجديد) من الأشياء ومن هنا أطلقوا على البيع الآجل اسم البيع بالنسيئة. لقد اعتبر سماحته لفظة النساء في آل عمران 14 بمعناها الأول أي جمع مفرده امرأة وهذا محال. لأن الميل للمرأة غريزة وليس شهوة، ولأن الناس الذين حببت إليهم الشهوات هم من الذكور والإناث فكيف تشتهي النساء النساء؟
وقد وردت لفظة النساء على أنها المتأخرات في الآيات التالية:
* في الآية 14 آل عمران (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ).
* سورة النساء سميت كذلك لأن الأحكام التي وردت فيها تم تأخيرها إلى الرسالة المحمدية.
* الآية 31 من سورة النساء (أو نسائهن) أي ما تلى ذلك من الذكور، أي ابن الابن وابن ابن الأخ... إلخ. وكذلك الآية 55 من سورة الأحزاب.
* الآية 223 من سورة البقرة (نساؤكم حرث لكم) أي كل ما استجد من الأشياء إلى أن تقوم الساعة هو مكسب لكم فاستعملوه أنى شئتم واتقوا الله في استعماله.
* الآية 34 من سورة النساء (الرجال قوامون على النساء) هنا النساء هم الذكور والإناث ذوي الكفاءة التي تلي كفاءة الرجال، وهنا الرجال هم من الذكور والإناث.
- ثانيها: البنين. هذه اللفظة وردت في التنزيل الحكيم على وجهين. الأول جمعُ جمعٍ مفرده ابن كما في قوله تعالى (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثاً) الإسراء 40. والثاني جمعُ جمعٍ مفرده بناء كما في قوله تعالى (وجعلت له مالاً ممدودا * وبنين شهودا) المدثر 12، 13. ولقد اعتبر سماحته أن البنين في الآية هم الذكور من الأولاد وهذا محال. لأن ميل الإنسان ليكون له أولاد ليس من الشهوات التي زينها الشيطان للناس، وإلا فكيف نفهم دعاء زكريا لربه كي يهبه ولداً يرثه ويرث آل يعقوب؟ هل كان زكريا منقاداً لشهوة زينها له الشيطان في دعائه هذا؟
- ثالثها: القناطير المقنطرة من الذهب والفضة. القنطار: وزن لا حد له تقصد به الكثرة، وقيل هو ألف دينار وقيل هو ألف ومئتا أوقية. والمقنطرة هي الحلي المصنعة، لأن الإنسان لا يشتهي الذهب والفضة وهي خامات في باطن الأرض، ولكن بعد استخراجها وتصنيعها. وكل صناعات الحلي والنقد الذهبي والفضي عبارة عن منحنيات (قناطر).
- رابعها: الخيل المسومة أي السمينة المعلمة والمجهزة بكامل لوازمها من أفخر الأنواع من لجام وسرج ورِكاب وغير ذلك .
- خامسها: الأنعام. وتطلق على الإبل والبقر والغنم ويدخل هذا الاسم الماعز والغزلان والخنازير.
- سادسها: الحرث، ولها في اللسان العربي أصلان، الأول: الجمع والكسب عموماً، وبهذا المعنى جاء قوله تعالى (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها) الشورى 20. والثاني أخص من الأول، ويعني المحصول الزراعي الذي يجنيه الإنسان من العمل في الزراعة، وبهذا المعنى جاء قوله تعالى (أفرأيتم ما تحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) الواقعة 63، 64. والحرث الوارد في آية آل عمران 14 هو الجمع والكسب الدنيوي عموماً لأنه المذموم في آية الشورى 20. ونرى أن الحرث لا يعني الجنس أبداً لا من قريب ولا من بعيد، أي (نساؤكم حرث لكم) لا علاقة لها بالجنس.
(1) في موضع آخر من الحلقة، يسأل السيد عثمان : هل المرأة فتنة؟ فيجيب سماحته: لا ، المرأة في ذاتها ليست فتنة. ناسياً أن الشاعر العربي حين يتحدث عن جمال الخيل فهو يقصد الفرس وليس الحصان وحين يتغنى بجمال الإبل فهو يقصد الناقة وليس الجمل وحين يصف عيون محبوبته فهو يشبهها بعيون المها أي إناث الغزلان البرية.