تكررت محاولات الاغتيال لعدد من الشخصيات الوطنية المعارضة حتى غدت تلك المحاولات ظاهرة سياسية أكثر منها أمنية, ورغم تصاعد تلك المحاولات فما تزال الجهات التي تقف وراء مثل هذه الظاهرة مجهولة الهوية بالنسبة للأجهزة الأمنية, التي عادة ما تلجأ إلى تقييد تلك الحوادث المدبرة ضد مجهول, هذا في أحسن الأحوال, وإلاّ فإنها تنفي وقوع الحادثة من أساسها كما فعل المصدر المسئول في محاولة الإغتيال الأخيرة التي تعرض لها الأستاذ محمد عبدالله اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح, الذي نفى وقوع الحادث, واعتبره ادعاء ينقصه البرهان, إذ يتعين على المجني عليهم من الآن فصاعداً أن يقدموا بأنفسهم أدلة استهدافهم, وأن يبرهنوا على صحتها بالقبض على الجناة, فهذه المهمة لم تعد من اختصاص أجهزة السلطة التي باتت مهمتها مقتصرة على نفي كل ما يصدر عن الغير, إذ أن محاولة التثبت مما يقوله الآخرون والتحقيق في وقائع ماثلة, واحترام حقوق المواطنة, وإعمال الدستور والقانون في قضايا كهذه يخدش من وجهة نظر الأجهزة المعنية مظاهر الأمن والاستقرار غير المسبوق الذي تعيشه البلاد, والذي تعكر صفوه إدعاءات أحزاب المعارضة بغياب دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية التي أرسى دعائمها النظام طيلة ثلاثة وثلاثين سنة! المصدر المسئول الذي لم يحترم المسئولية الملقاة على عاتقه تناقض وتصريحات حزبه الذي كان قد دعا إلى تشكيل لجنة مشتركة للتحقيق في محاولة الإغتيال برئاسة رئيس جهاز الأمن السياسي ورفع نتائج التحقيقات للقائم بأعمال رئيس الجمهورية, وتناقض كذلك مع تصريحات أخرى أطلقها بعض مسئولي الحكومة, أدانوا فيها الحادث الإجرامي ودعوا إلى كشف الجناة ومن يقف وراءهم, لكن المصدر المسئول لا يجرؤ على الخروج عن الدور المرسوم له, وليس غريباً عليه تأدية مثل هذا الدور, فقد نفى من سابق ما تعرض له قادة أخرون من المشترك في حوادث مماثلة كالتي تعرض لها الدكتور عبد الوهاب محمود أمين عام حزب البعث الاشتراكي, والاستاذ سلطان العتواني أمين عام التنظيم الوحدوي الناصري, ونفى أيضاً التهديدات التي تلقاها بعض قادة المشترك بالتصفية الجسدية عبر أرقام تلفونات مفضوحة, ومثلهم كثير من الصحفيين الذين تعرضوا للتهديد والإيذاء والمضايقات, بل وللضرب والاختطاف, ومع ذلك يأتي المصدر المسئول كالعادة لينفي وقوع أي شيء من ذلك, بل ويُشنّع على الضحايا ويتهمهم باختلاق تلك الحوادث, ليتواطئ علانية مع الجناة, وينحاز بصورة لا أخلاقية ضد من يفترض منه حمايتهم والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم.
إن محاولة إغتيال شخصية قيادية مرموقة بحجم اليدومي لاتعكس حجم الإفلاس الأخلاقي في من يقف وراءها فحسب, بل تعكس كذلك حالة الإنهيار والهزيمة النفسية التي يعيشونها بفعل ثورة الشعب السلمية. إن حالة الإحباط المسيطرة على من تبقى من السلطة جراء الإنهيار المتسارع في صفوفهم, وإخفاقهم في استدراج الثورة إلى مربع العنف ألجأتهم إلى سلوك هذا الفعل المشين, في محاولة يائسة لصرف الأنظار عن الضعف الذي يعتريهم في مواجهة قوى الشعب التي توحدت لأستعادة حقوقها. كما أن محاولة كهذه اُريد منها إستدعاء حزب الإصلاح وعزلة في معركة جانبية بقصد إلهائه عن معركته الحقيقية في مساندة ثورة الشعب السلمية في ساحات الحرية والتغيير. ثمة من يستميت في خلق أجواء حرب تغرق فيها البلد, غيرُ مكتفٍ بالحروب المشتعلة شمالاً وجنوباً من أبين ولحج والضالع إلى أرحب ونهم والحيمة الخارجية, مروراً بالحالمة تعز التي تعيش مأساة حرب ظالمة ضد مواطنيها العُزل المسالمين, وحين فشلت محاولات تفجير الموقف عسكرياً إنطلاقاً من حي الحصبة بالعاصمة صنعاء, عاد أولئك ليجربوا الأمر نفسه مع حزب الإصلاح, ومن سوء حظهم أن الإصلاح لا يؤمن بالعنف كوسيلة للتغيير, وأن النضال السلمي الذي ينتهجه الإصلاح يحكم عقيدته الاستراتيجية الناظمة لمشروعه السياسي في التغيير والبناء.
إن محاولة إغتيال رئيس الهيئة العليا للإصلاح لايمكن فصلها عن سلسلة جرائم متصلة الحلقات لم تبدأ من اليوم, بل تمتد لسنوات طويلة في التاريخ السياسي اليمني, منذ أحكم أعداء الشعب قبضتهم على مقدراته وجعلوا منها غنيمة لهم, قتلوا في سبيلها مئات الأبرياء, وسفكوا لأجلها دماء الكثير من القيادات من مختلف المشارب والاتجاهات الوطنية, وأقصوا الكثيرين وأستحوذوا على كل شيء في البلد حتى جعلوه ضيعة لهم ولأبنائهم, وظل القتل والإرهاب مبدأهم وسياستهم المتبعة لبلوغ مآربهم, حتى تفجرت الثورة الشعبية السلمية فولغوا في دماء أبنائها. والآن يعودون مجدداً من بوابة الإرهاب في مسعى يائس لجر أقطاب الثورة الواحد تلو الآخر إلى دائرة العنف حيث يُجيدون سفك الدماء, مُستحلين لها بلا وازع من خلق أو ضمير, معتقدين بأن منحى كهذا سيجنح بالثورة نحو مخططهم, لتتوه في نفق مظلم من حرب أهلية تقضي على أي أمل بالتغيير.
ويخطئ هؤلاء حين يظنون أن بمقدورهم وقف قطار الثورة وكبح حركة التغيير بفرقعة هنا وقتل هنالك, فالثورة الشعبية ليست معلقة بأشخاص, وليست مرتهنة بأحزاب أو جماعات وقبائل, إنها ثورة شعب بأسره شاء أعداؤها أو لم يشاءو, فقد خرج الأمر من بين أيديهم، ولم يعد بوسعهم سوى انتظار وصول محطتها الأخيرة, في حين يحاول أولئك الأعداء صناعة انتصارات زائفة، عبر دروب العنف والإرهاب, توهمهم بأنهم مازالو متواجدين على الساحة، وقادرين على بسط سيطرتهم عليها, وتمنحهم نشوة إنتصار كاذب أقرب ما يكون إلى أحلام اليقظة.